358

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1402 AH

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَجْهُولَ الْحَالِ غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَجْهُولَ الْحَالِ (١) غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ بِحَالِهِ وَمَعْرِفَةِ سِيرَتِهِ، وَكَشْفِ سَرِيرَتِهِ، أَوْ تَزْكِيَةِ مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ وَتَعْدِيلُهُ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُ: يُكْتَفَى فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ عَنِ الْفِسْقِ ظَاهِرًا، وَقَدِ احْتَجَّ النَّافُونَ بِحُجَجٍ:
الْأُولَى: أَنَّ الدَّلِيلَ يَنْفِي قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ غَيْرَ أَنَّا خَالَفْنَاهُ فِيمَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ بِمَعْنَى لَا وُجُودَ لَهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ ظُهُورِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْآيَةُ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى امْتِنَاعِ قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَمَنْ ظَهَرَ إِسْلَامُهُ وَسَلِمَ مِنَ الْفِسْقِ ظَاهِرًا، لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَاسِقٌ حَتَّى يَنْدَرِجَ تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ.
وَاحْتِمَالُ وُجُودِ الْفِسْقِ فِيهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ فَاسِقًا بِدَلِيلِ الْعَدْلِ الْمُتَّفِقِ عَلَى عَدَالَتِهِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ فَلَا يُقْبَلُ إِخْبَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ؛ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ مَفْسَدَةِ الْكَذِبِ، كَالشَّهَادَةِ فِي الْعُقُوبَاتِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ قَائِمًا (ظَاهِرًا)، غَيْرَ أَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ مَعَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْفِسْقِ ظَاهِرًا أَظْهَرُ مِنِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَاحْتِمَالُ الْقَبُولِ يَكُونُ أَوْلَى مِنَ احْتِمَالِ الرَّدِّ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ أَتَمُّ مِنْهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ.
وَلِهَذَا كَانَ الْعَدَدُ وَالْحُرِيَّةُ مُشْتَرَطًا فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ، وَمُتَعَبَّدًا فِيهَا بِأَلْفَاظٍ خَاصَّةٍ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ فِي الرِّوَايَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ قَالَ " أَعْلَمُ " بَدَلَ قَوْلِهِ " أَشْهَدُ " لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا.

(١) مَجْهُولُ الْحَالِ: مَنْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يُوثَّقْ، وَيُسَمَّى مَسْتُورًا، أَمَّا بِمَجْهُولِ الْعَيْنِ فَهُوَ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ وَلَكِنِ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَاحِدٌ، وَمَنْ لَمْ يُسَمَّ فَمُبْهَمٌ كَحَدَّثَنِي رَجُلٌ وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ وَهُوَ أَدْخُلُ فِي جَهَالَةِ الْعَيْنِ مِمَّا قَبْلَهُ

2 / 78