357

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1402 AH

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ إِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقَامَةِ السِّيرَةِ وَالدِّينِ.
وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى هَيْئَةٍ رَاسِخَةٍ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ جَمِيعًا، حَتَّى تَحْصُلَ ثِقَةُ النُّفُوسِ بِصِدْقِهِ.
وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبَعْضِ الصَّغَائِرِ وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ.
أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: " «الْكَبَائِرُ تِسْعٌ؛ الشِّرْكُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالزِّنَا، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَالْإِلْحَادُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ» ".
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَ ذَلِكَ: «أَكْلُ الرِّبَا، وَالِانْقِلَابُ إِلَى الْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَةٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵇، أَنَّهُ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ: السَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ (١) .
وَأَمَّا بَعْضُ الصَّغَائِرِ فَمَا يَدُلُّ فِعْلُهُ عَلَى نَقْضِ الدِّينِ، وَعَدَمِ التَّرَفُّعِ عَنِ الْكَذِبِ وَذَلِكَ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ، وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ، وَاشْتِرَاطِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى إِسْمَاعِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا بَعْضُ الْمُبَاحَاتِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِ الْمُرُوءَةِ، وَدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَالْبَوْلِ فِي الشَّوَارِعِ وَصُحْبَةِ الْأَرَاذِلِ، وَالْإِفْرَاطِ فِي الْمَزْحِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْكَذِبِ، وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ.
وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ أَحْرَى أَنْ لَا يَجْتَنِبَ الْكَذِبَ، فَلَا يَكُونُ مَوْثُوقًا بِقَوْلِهِ.
وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فِي الشَّهَادَةِ.
وَتَخْتَصُّ الشَّهَادَةُ بِشُرُوطٍ أُخَرَ: كَالْحُرِّيَّةِ، وَالذُّكُورَةِ، وَالْعَدَدِ وَالْبَصَرِ، وَعَدَمِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ.
وَإِذْ أَتَيْنَا شُرُوطَ الرِّوَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى ذِكْرِ مَسَائِلَ مُتَشَعِّبَةٍ عَنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ جَرَتِ الْعَادَةُ بِذِكْرِهَا وَهِيَ ثَمَانُ مَسَائِلَ.

(١) انْظُرْ تَعْرِيفَ الْكَبِيرَةِ وَأَحَادِيثِهَا فِي كُتُبِ الْكَبَائِرِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سُورَةُ النِّسَاءِ.

2 / 77