Ahmad Orabi, le leader calomnié
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
ولكن إسماعيل وا أسفاه أنفق في سبيل ذلك المجد ما زاد على خمسين مليونا من الجنيهات لم يكن لديه منها شيء يذكر، ولذلك لم يلبث أن رأى مصر التي أراد أن تكون قطعة من أوربا تساق على رغمه لتكون ملكا لأوربا! فمن أوربا استدانت تلك الملايين، ولما عجزت عن دفع دينها كانت رهينة لهذا الدين!
ولما أرادت مصر أن تجد لمشكلتها المالية حلا سنحت الفرصة لإنجلترا فراحت تتنكر لمصر وتتربص بها الدوائر، وكان لابد للمسألة المالية أن تنتهي إلى ما انتهت إليه من تغلغل الإنجليز والفرنسيين في صميم شؤون مصر.
على أن هذا التدخل لم يك شرا كله كما اعتاد المؤرخون أن يصوروه، وحسبنا مما انطوى عليه من عناصر الخير أن قد استيقظت على صخبه وضجيجه مصر، فانبعثت القومية المصرية ومضت مصر تنفض عن كاهلها غبار القرون على صورة أروع وأقوى مما بدا في ثورتها على نابليون ثم على كليبر، ومما ظهر من آمالها وروحها ومشيئتها يوم ذهب أبناؤها وعلى رأسهم عمر مكرم والشرقاوي يلبسون محمد علي الكرك والقفطان دون أن يرجعوا في ذلك إلى السلطان ...
وتراكمت الديون على مصر حتى إنها لم تك تقل عن تسعين ألف ألف من الجنيهات في عام 1875، فمن ديون سائرة كانت في ذاتها أبلغ ما نال الخديو من معاني الغبن، إلى ديون ثابتة فيها أوضح معاني الشره وأقبحها من جانب الدائنين، إلى قروض داخلية لجأ إليها «المفتش»، ذلك الذي قام على شؤون مصر المالية، فكان في ذاته عبئا فوق ما أثقلها من عبء، ومن تلك القروض الدالة على الارتباك والخلل دينا المقابلة والرزنامة ...
عندئذ تحركت إنجلترا نحو هدفها، وكانت أولى حركاتها في هذا المضمار شراء نصيب مصر من أسهم القناة، اشتراه دزرائيلي رئيس وزرائها يومئذ بثمن بخس، ولم يرده عن ذلك عطلة البرلمان في تلك الأثناء، وكيف يفوت ذلك الداهية أمر كهذا الأمر يجعل مقام بلاده في القناة كمقام فرنسا أو أعظم، ويصحح خطأ وقعت فيه إنجلترا ألا وهو استهانتها بالمشروع أول الأمر ظنا منها أنه لن يتم، ثم تراخيها في شراء الأسهم بعد ذلك رغبة في إحباطه؟
ولكن مصر بعد بيع أسهمها لا تزال في حاجة إلى المال لتدفع به بعض ما جره عليها المال من وبال، وأنى لها المال بعد هذا كله؟ وأية دولة تمد إليها يدها؟ إذا فلتفكر مصر في الإصلاح، ولتفكر إنجلترا في اصطياد الفريسة.
طلب الخديو موظفا إنجليزيا يدرس لمصر شؤون مالها، ويصلح ما يراه من أوجه الخلل، فتلكأت إنجلترا أول الأمر لأنها عن دهاء وجشع تحب أن تتدخل ولكنها لا تحب أن تفتح أعين غيرها ...
وجاء الموظف ولكنه كان مزودا من قبل حكومته بأوامر، فعليه أن يدرس وعليه فوق ذلك أن يحقق ويدقق ثم يرفع إلى حكومته تقريرا عما رأى! وما لهذا أراده إسماعيل، فما كان يريد والي مصر إلا أن يكون هذا الموظف معينا له على إصلاح مالية البلاد.
ورفع «كيف» التقرير إلى حكومته! وجاد دور دزرائيلي فأعلن في البرلمان الإنجليزي في غير تردد ولا استحياء أنه يرغب عن نشر التقرير لأن الخديو رجا منه ألا يفعل، ولعمر الحق ما رجا الخديو منه شيئا ولا أشار إلى ذلك من قريب ولا من بعيد ...
ذعر الدائنون، وهبطت قيمة أسهم مصر كما يقول رجال المال، وتلقى الخديو الصدمة العنيفة ممن أمل على أيديهم الإصلاح، وقال في مرارة وغيظ: «لقد احتفروا لي قبري.» وهي كلمة موجعة جامعة، فبعد هذا التصريح من جانب دزرائيلي سيكون الطوفان ...
Page inconnue