Ahmad Orabi, le leader calomnié
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
أخذت إنجلترا وفرنسا تتنافسان في بسط نفوذهما في مصر منذ حملة بونابرت على هذه البلاد، ولكنهما وجدتا في محمد علي رجلا يمد سلطانه ولا يفقد ذلك السلطان، فاكتفت أولاهما بالعمل على تحطيمه، وفرحت الثانية بمصادقته ...
وساقت الأقدار ولاية العهد لإسماعيل قبل موت سعيد، فاستبشر الناس وارتقبوا الخير في عهد هذا الأمير الذي ذاع من صفاته فيهم ما حببه إليهم، وكانوا قد علموا أنه من ذوي النباهة والحزم، وبخاصة في شؤون المال، ولم يطل ترقب الناس فقد آل إليه الأمر عام 1863.
وراحت مصر تستقبل طورا من أطوار تاريخها. نحار أشد الحيرة ماذا نسميه وبأي الصفات ننعته ... طورا كان غريبا حقا، تترك غرابته العقول في دهشة، وتكلف من يريد الإنصاف في درسه عسرا شديدا.
ما برحت فرنسا وإنجلترا تراقبان سير الحوادث في وادي النيل، أما فرنسا فكانت لا تني تعمل على أن تزيد نفوذها في مصر، ذلك النفوذ الذي وضعت أساسه حملتها على هذه البلاد، والذي ما فتئ يعظم ويتزايد في عهد محمد علي، وها هو ذا في عهد إسماعيل قد بلغ مبلغا عظيما حينما اتصل البحران واستطاع دي لسبس أن يجري بينهما القناة التي سوف تغير مجرى تاريخ هذا الوادي ... وأما إنجلترا فكانت دائبة على سياستها تحول دون ظهور قوة في مصر، وقد استراحت من محمد علي، وراحت اليوم تقف في وجه حفيده، وتحرص على أن يظل خاضعا للخليفة، ولما التقى البحران أصبح همها متجها إلى السيطرة على مصر لتسيطر على القناة.
ونصبت كل من الدولتين شباكها وعولت كل منهما على أن تتدخل في شؤون مصر من طريق المال أولا ثم من طريق السياسة بعد ذلك.
شهدت مصر في هذا العهد جلائل الأعمال ومظاهر الاستقلال، كما شهدت عوامل البلى وعناصر الانحلال، شهدت يد التعمير تبعث الحياة والنشاط والقوة في العاصمة وعلى صفحة الوادي، وشهدت يد التخريب تهوي بمعولها في غير رحمة أو هوادة فتزلزل البنيان وتقوض الأركان، شهدت العظمة الشامخة والثروة الباذخة وشهدت الذلة المستخذية والفقر المستكين، شهدت دوافع الحرية وشهدت نوازع الاستبداد، شهدت مواقف البطولة والصدق وشهدت مخازي الدس والبهتان ... شهدت مصر ذلك كله وشهدت زيادة عليه ما تشهده الفريسة تجمعت عليها الذئاب وأوهنها طول الدفاع والجلاد ...
أراد إسماعيل أن يسبق عصره فيما يطلب من أوجه الكمال، فلن يجمل بمصر وهو واليها أن تكون قطعة من أفريقيا ولا أن تكون جزءا من تركيا، ولن يهدأ له بال حتى تنتسب مصر إلى أوربا، وحتى تحطم الأصفاد وتطرح من عنقها نير الاستعباد ...
ولم يمض من عهد هذا الأسير الفذ اثنا عشر عاما حتى غمر مصر فيض من الإصلاح، وتهيأ لها من أسباب الرقي ما لم يكن يتهيأ مثله في أقل من قرن إذا سارت الأمور سيرها العادي ... ففي تلك الفترة القصيرة وصل بين البحرين، وشقت الترع الطويلة تحمل إلى أنحاء الوادي من مياه النيل وغرينه ما يدرأ عنه رمال الصحراء، ومدت سكك الحديد وأسلاك البرق، ونظم البريد ومهدت السبل، وأقيمت الجسور، وأصلحت الموانئ، وشيدت المنائر، وبنيت المصانع، وافتتحت دور العلم للبنين والبنات على نحو يذكر بالحمد والإعجاب.
وفي تلك الفترة تقلص نفوذ السلطان، وأحاطت بوالي مصر مظاهر السيادة فلقب بالخديو ونظمت ولاية العهد، وسمح للوالي بمنح الألقاب، وأطلقت يده فأصلح القضاء وأدخل على النظام الإداري كثيرا من الإصلاح ...
وفي تلك الفترة سارت القاهرة تستبدل حياة بحياة، ومظهرا بمظهر، فتتخلص ما وسعها الجهد من أفريقيا ولا تني تقترب من أوربا، وراح الخديو العظيم ينشر فيها من مظاهر همته ما جعل أعماله في هذا المضمار من عجائب القرن التاسع عشر، وما برحت القاهرة طول عهده غاصة «بالمونة والأحجار» تلك التي كانت هوية الخديو ومسرة فؤاده ...
Page inconnue