Les Contes du village : Histoires et Souvenirs
أحاديث القرية: أقاصيص وذكريات
Genres
فنهضت مرتا بمجمرتها، تبخر الصورة فملأت رائحة البخور الجوري البيت، فتنشقه الشدياق وهو يهتف: إخايه! صار كصوفي أسكرته المشاهدة، حتى خيل إليه أنه يرى في دخان المبخرة الصاعد سلما مثل سلم يعقوب يرتقي به إلى سماوات ذي العرش، فأخذ يرتل بصوت رخيم لا ارتجاف فيه ولا اهتزاز، كأنه ابن أربعة عشر.
أنت الشفيع الأكرم
عند ابنك يا مريم
وما انتهى من إنشاد هذه المديحة حتى صرخ: يا بنت! بخرت صورة مار مارون؟
وبخرت البنت ورتل هو: لك شرف مفرد كبدر الضيا، وأومأ إلى متى فشاركه في ترتيلته التي لم يصرم حبلها إلا الفواق. وما ارفض موكب صلاته الحافل، حتى عاد إلى قعدة الأربعاء وهو يقول: ترى يكون لنا حظ ونسمع تهاليل الساروفيم، ونرى الراكب على الكاروبيم! ما أحلى هاتيك الساعة. قريبا نلتقي يا مار مارون.
وقدمت له مرتا العشاء وفيه ما تحرمه الكنيسة في صوم الميلاد - وهو ابن تسعين يحل له أكل كل طعام - فكف عنه يده ونفسه تشتهيه. لم يأكل إلا بضع حبات من الزيتون ورأس ثوم شواه. ولماذا الأكل، أليحرم الأجر؟ غدا نأكل إن شاء الله اللحوم والألبان، فديوك الميلاد تغلي على النار، وتغني في القدور كأنها جوقة ترتل: المجد لله في العلا ...
وقال لمرتا وهي ترفع الصينية: غدا نأكل مع الضيعة من طعام العيد. فمنذ صار الشدياق ذلك الشيخ الجليل الذي تقبل الناس يده ويلتمسون دعاءه وبركته، أخذ يدعو أهل الضيعة إلى مأدبة الميلاد التي يعدها لهم كل عام.
وعاد الشدياق إلى فراشه واحتبى بلحافه، ووفدت أهالي الضيعة عليه. المسنون يمسونه بالخير نصف ساجدين. تنحدر أيديهم من قمم رءوسهم لتستقر على ساحات صدورهم الرحبة. والصغار ينكبون على يديه يقبلونهما، سيان عندهم اليمنى أو اليسرى. وجلس الناس سطورا سطورا حوله وبين يديه، وطغت على البيت رائحة منبعثة من مصابيح الزيت المطفأة فأخذ بخناق الشيخ سعال ديكي، ولو لم يسرع أحدهم إلى فتح الأبواب لكان فطس وذهب مأسوفا على شبابه.
وساد البيت سكوت رهيب، لم يكن يسمع صوت نابس. فكأن الناس في صحراء لا أنيس فيها ولا جليس. الجميع يتطلعون إلى الشدياق بعيون مفتحة والشدياق يحرك شفتيه الراقصتين، يتمتم ولا يبين. وأخيرا انشق فمه وخرجت منه هذه الكلمات: هذه ليلة مباركة يا إخوتي، فيها ولد سيدنا يسوع المسيح بمذود البقر ليعلمنا التواضع. علينا أن نولد مثله كل سنة؛ لأنه - لاسمه السجود - قال: الذي لا يرجع إلى بطن أمه ويولد ثانية لا يستحقني. والولادة الثانية معناتها أن ينظف الإنسان نفسه وجسده حتى يعود طاهرا نقيا كالمولود جديدا.
فهز الرجال رءوسهم إعجابا، وتنهدت العجائز متأسفات على مواهب الشدياق كيف ضاعت ولم يصر كاهنا.
Page inconnue