قلت باستهانة: حتى طارق! ... ما تصورت أنك حرة لذلك الحد. - أرحني من أفكارك القذرة. - لولا الكذب لربحنا أضعاف ما ربحنا! - الحق أنه صورك في صورة أجمل من حقيقتك، وهذا يقطع بأنه استلهم الخيال قبل كل شيء.
ضحكت عاليا، فهتفت: سيسمعك العائدون من صلاة الفجر. - لم لا؟ ... ذلك الولد الغريب الذي زج بنا في السجن. - كيف تطالب أحدا بالتزام فضيلة؛ أنت الذي لا تؤمن إلا بنزواتك؟! - ولكنه ادعى المثالية حتى أوجع رأسي.
فقالت بحماس ظاهر على الأقل: إنه ولد رائع ... مؤلف مرموق ... ابني ...
فقلت ساخرا: إني معجب بوحشيته. - عندما يعود سأذهب معه هاجرة هذا البيت اللعين!
فقلت ساخرا: كل حجرة فيه تشهد لنا بالمجد.
غادرتني عند ذاك، فلبثت وحدي باسط الذراعين فوق المدفأة. كان يسعدني بلا شك أن أعرف المزيد عن أبي؛ أكان من هؤلاء المنافقين؟ لقد عاجله الموت فسقطت أمي، ونشأت أنا تلك النشأة المتوجة بقرون الشيطان، أما أنت يا عباس فلغز غامض! ما أشد الملل؛ إني مثل شيطان حبيس قمقم لا يجد مجالا للعبث. •••
تابعت نجاح المسرحية باهتمام وشغف، توقعت أن يعود المؤلف ولو مع المسرحية الجديدة، توقعت أيضا أن يغير نجاحه مجرى حياتي المملة، وكنت أتردد على المسرح بين الحين والحين لأتنسم الأخبار عنه، وفيما أنا أقطع المدخل ذات ضحى إذ هرع نحوي عم أحمد برجل، فمضى بي إلى داخل البوفيه الخالي. أقلقني وجهه المكفهر المتقبض، فاستشفقت وراءه خبرا كئيبا. قال: كرم ... كنت على وشك الذهاب إليك.
فسألته: ماذا؟ ... ماذا عندك؟ - عباس! - ماذا عنه؟ ... هات ما عندك يا عم أحمد. - اختفى من بنسيون كان يقيم فيه في حلوان، تاركا رسالة غريبة. - أي رسالة؟ ... ألا تريد أن تتكلم؟ - كتب يقول إنه سينتحر!
غاص قلبي، وخفق مثل بقية قلوب البشر. تبادلنا النظر صامتين؛ سألته: هل عثر على ...؟
فأجاب بحزن: كلا ... البحث جار.
Page inconnue