فالمخلصُ لا رياء له، والصادقُ لا إعجابَ له. وعن ذي النون المصري ﵀ قال: ثلاثٌ من علامات الإِخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاءُ ثواب العمل في الآخرة.
وروينا عن القُشَيريِّ ﵀ قال: أقلُّ الصدق استواءُ السرّ والعلانية. وعن سهل التستري: لا يشمّ رائحة الصدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره، وأقوالهم في هذا غير منحصرة، وفيما أشرت إليه كفاية لمن وُفق.
[فصل]: اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرّة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبي ﷺ في الحديث المتفق على صحته:
"إذَا أَمَرْتُكُمْ بَشَيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ" (١)
[فصل]: قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا (٢)، وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يُعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه ولكن لا يجب. وإنما ذكرتُ هذا
_________
(١) البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧)، والترمذي (٢٦٨١)، والنسائي ٥/ ١١٠. ولفظه: "دعوني ما تركتُكم، إنما أهلَكَ مَنْ كان قبلكم كثرةُ سؤالهم واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبُوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتوا منه ما استطعتُم".
(٢) "ما لم يكن موضوعًا": قال ابن علاّن - رحمه الله تعالى ـ: "وفي معناه شديد الضعف، فلا يجوز العمل بخبر من انفرد من كذاب
ومتهم، وبقي للعمل بالضعيف شرطان: أن يكون له أصل شاهد لذلك؛ كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط" الفتوحات الربانية: ١/ ٨٤.
1 / 47