Littérature ou manque de bienséance
أدب أم قلة أدب
Genres
لكن لم أعرف أنني سأعيش جحيما آخر في بلدي وفي بيت أبي. كان أبي قد باع أختي الصغرى «حمدية» لزوج عجوز من الكويت. دخل بها في مصر، ثم سافر وتركها حاملا، ولم تعرف أهي متزوجة أم مطلقة، ووضعت طفلها الشرعي الذي حمل اسم أبيه الكويتي الغائب والمجهول العنوان.
وبدأت أختي «حمدية» تواسيني، وأنا أواسيها، وجاءت أختي خديجة الخادمة بالإسكندرية، وعرفنا أنها أصبحت أما لطفل في الثالثة من عمره بلا زواج، بعد أن اعتدى عليها رب الأسرة الأولى. وولدت طفلها، واستخرجت له شهادة ميلاد، وحصل على الجنسية المصرية. ثم اشتغلت في بيت آخر بالإسكندرية، وتعيش مع طفلها في غرفة منفردة، وتقبض كل شهر مائة وثمانين جنيها.
واكتشفت أن أختي خديجة الخادمة، أحسن حالا مني ومن أختي حمدية، وطفلها المولود سفاحا (بلا أب) يتمتع بالجنسية المصرية. أما نحن، فأطفالنا شرعيون، لكنهم أجانب، وليس لهم حق الحصول على الجنسية المصرية.
وبدأت أنا وأختي حمدية ندوخ على المكاتب لنحصل على إقامة لأطفالنا على أرض مصر، ولا نعرف ماذا نفعل في المستقبل، وهل تطرد الشرطة أطفالنا خارج مصر؟ لا نعرف شيئا عن القوانين. ننتقل من يد سمسار إلى يد سمسار آخر، ندفع رشوة لهذا الموظف، ثم يتضح لنا أنه ليس له علاقة بموضوع إقامة الأطفال الأجانب.
ثم جاءت أختي فاطمة إلينا في زيارة، وعرفنا أنها أسعد حالا منا جميعا، فهي تعمل في ثلاث شقق مفروشة، تنتقل من شقة إلى شقة، وتكسب مالا كثيرا، وعندها دراية كبيرة بمنع الحمل، ولم تحمل ولم تنجب، وادخرت في ست سنوات مائة ألف دينار، وتستعد للزواج من شاب يبادلها الحب، اسمه محمد، من أسرة طيبة، وأبوه أيضا يحمل لقب دكتور، وهي تمطر أبي بالقبلات؛ لأنه فتح لها طريق الخير والسعادة، وتصلي كل يوم لله شكرا على الرزق الذي أرسله إليها بغير حساب.
أما أنا فلا أعرف شيئا عن مستقبلي أو مستقبل طفلي، وليس معي أي مال، فقد قبض أبي مهري، وحين أطلب منه نقودا يدعي أنه لا يملك شيئا، وأن أختي فاطمة تساعده بثلاثين جنيها فقط كل شهر رغم مكاسبها الكبيرة.
وعشت الهوان والفقر في بيت أبي، لا أملك مالا ولا مستقبلا، مثل أختي فاطمة التي كسبت مالا كثيرا عن طريق البغاء، ولا يملك طفلاي الجنسية المصرية ولا حق الإقامة في بلدي؛ لأنهما أجانب (من أب سعودي)، ولا أعرف شيئا عن مستقبلهما.
فكرت في قتل طفلي ثم الانتحار، لكن أمومتي منعتني من قتلهما، وقلت لنفسي: لماذا أقتلهما وهما بريئان بلا ذنب؟!
إن المذنب هو أبي، وهو الذي يستحق القتل. لماذا لا أقتله ليموت عبرة لغيره؟! ولأدخل السجن وليحكموا علي بالإعدام، ولأموت ثم أذهب إلى الآخرة، وأقابل الله وأحكي له كل شيء، ولا بد أن الله سوف يكون معي؛ لأن الله عادل. وسوف أترك طفلي في رعايتكم؛ لأنكم تدافعون عن حقوق النساء المقهورات، وأنا قد قهرت وانسحقت كزوجة وأم مصرية بلا حقوق. إنهم يحتفلون بعيد الأم، ويتشدقون بكلام كثير عن تمجيد الأمهات، لكن الحقيقة أننا نحن الأمهات بلا حقوق، نطلق ونطرد من بيت الزوجية في أي وقت بلا إرادتنا، وأطفالنا لا يحصلون على الجنسية المصرية إلا إذا كان الأب مصريا أو مجهولا.
أنا لا يهمني الموت، ومستعدة أن أموت، لكن هل موتي يحل مشكلة طفلي؟! عرضت علي أختي فاطمة أن أعمل معها في الشقق المفروشة، وأبيع جسدي لأثرياء البترول من السعودية والكويت. لكن أليس هناك حل آخر يحفظ إنسانيتي وكرامتي؟ ثم إذا جمعت مالا كثيرا، هل يفيد هذا المال في أن يحصل طفلاي على الجنسية المصرية؟ ثم أنا الآن متزوجة، ولست امرأة حرة؛ لأن زوجي السعودي لم يطلقني، وقد يأتي في أي وقت ليردني إليه رغم إرادتي، وأعيش في بيت أبي مهددة، ولا أعرف ماذا أفعل؟ وليس لي مكان أذهب إليه. •••
Page inconnue