بانتشار مصنفاته عِنْدهم وشيوعها بَينهم لأَنهم لَا يفهمون الْعلم وَلَا يعْرفُونَ أَهله وَلَا فرق بَينهم وَبَين الْعَامَّة البحت إِلَّا مُجَرّد الدعْوَة والتلبس بلباس أهل الْعلم وَالْقعُود فِي مقاعد أَهله فَكَمَا أَن الْعَاقِل لَا يفرح بِإِقْرَار جمَاعَة لَهُ من البدو والحراث أَو السوقة من أهل الحياكة والحجامة وسقاط أهل المهن الدنيئة والمعاشر الوضيعة كَذَلِك لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرح بِمثل ذَلِك من المقلدة فَإِنَّهُم كَمَا قَالَ الْقَائِل
(فَإِن لم يكنها أَو تكنه فَإِنَّهُ ... أَخُوهَا غذته أمه بلبانها)
وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ يعرف نَفسه بِهَذَا التصنيف لاستقصار أهل الْعلم الَّذين هم أَهله وَعَلَيْهِم الْمعول فِيهِ لغايته واستحقار مَا جَاءَ بِهِ والإزراء عَلَيْهِ من كل وَاحِد مِنْهُم فِي عصره ذَلِك وَمَا بعده من العصور مَا دَامَ ذَلِك المُصَنّف المشؤوم مَوْجُودا على وَجه الأَرْض كَمَا هُوَ مَعْلُوم فَإِن الْمُحَقق من أهل الْعلم إِذا عثر على شئ من هَذِه المصنفات المتعسفة الْخَارِجَة عَن الْحق انقبضت أنفسهم عَنهُ واستبردوه وَسقط مُصَنفه عِنْدهم وَلم يعدوه من أهل الْعلم فِي ورد وَلَا صدر وألحقوه بالطبقة الَّتِي حَملته على ذَلِك الصنع الَّذِي صنعه لَهُم وأحملوا ذكره فِي مصنافاتهم الَّتِي هِيَ المصنفات الْمُعْتَبرَة
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا صنع هَذَا المُصَنّف لنَفسِهِ بذلك التصنيف إِلَّا مَا هُوَ خزى لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ووبال عَلَيْهِ فِي الآجلة والعاجلة
وَقد يسْلك بعض هَؤُلَاءِ مسلكا هُوَ أخس من ذَلِك المسلك وَذَلِكَ بِأَن يُورد الْأَقْوَال ويحتج لكل وَاحِد مِنْهَا بِمَا احْتج بِهِ قَائِله ويستكثر من إِيرَاد أَدِلَّة مَا هُوَ الْحق مِنْهَا ويخرجه من مخارجه المقبولة ثمَّ يذكر مَا قيل من ضعف دَلِيل مَا قَالَ بِهِ من يَعْتَقِدهُ أهل عصره وقطره وينسب ذَلِك التَّضْعِيف إِلَى من يعْتد بِهِ من أهل الْعلم ثمَّ يعْتَرض ذَلِك التَّضْعِيف باعتراض يعرف من هُوَ من أهل الْعلم والإتقان سُقُوطه وبطلانه ركونا مِنْهُ على أَن ذَلِك لَا يخفى على من لَهُ قدم فِي الْعلم وزعما أَنه قدر من لَهُم إِلَى مَا هُوَ الْحق بإيراد دَلِيله الصَّحِيح وَإِلَى مَا يُخَالِفهُ بإيراد دَلِيله الضَّعِيف وَأَنه لم يَأْتِ بِمَا أَتَى بِهِ من الِاعْتِرَاض
1 / 105