وَهَذَا النَّادِر الشاذ يُبَالغ فِي الكتم ويستكثر من المجانبة لما يَظُنّهُ الْحق مَخَافَة من وثوب المقلدة عَلَيْهِ وهتكهم لَهُ لأَنهم لَا يقنعون من الْعَالم وَإِن كَانَ فِي أَعلَى دَرَجَات الِاجْتِهَاد إِلَّا بِأَن يكون مثلهم مُقَلدًا بحتا مقتديا بالعالم الَّذِي يقلدونه هم وأسلافهم وَإِن كَانَ هَذَا الْعَالم الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْهُ ذَلِك أغلا رُتْبَة وَأجل قدرا وَأكْثر علما من عالمهم الَّذِي يقلدونه كَمَا يجده من لَهُ اطلَاع على كثير من أَحْوَال النَّاس فَإِن فِي عُلَمَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة من هُوَ أوسع علما وأعلا قدرا من أَمَامه الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ وَيقف عِنْد رَأْيه ويقتدي بِمَا قَالَه فِي عِبَادَته ومعاملته وَفِي فَتَاوِيهِ وقضائه ويسرى ذَلِك إِلَى مصنفاته فيرجح فِيهَا مَا يرجحه إِمَامه وَإِن كَانَ دليلة ضَعِيفا أَو مَوْضُوعا أَو لَا دَلِيل بِيَدِهِ أصلا بل مُجَرّد مَحْض الرَّأْي وَيدْفَع من الْأَدِلَّة الْمُخَالفَة لَهُ مَا هُوَ أوضح من شمس النَّهَار تَارَة بالتأويل المتعسف وحينا بالزور الملفق مَعَ كَونه بمَكَان من الْعلم لَا يخفى عِنْده الصَّوَاب وَلَا يلتبس مَعَه الْحق وَلكنه يفعل ذَلِك مَخَافَة على نَفسه من تِلْكَ الطَّبَقَة المشومة أَو تَأْثِيرا لما قد ظفر بِهِ من الدُّنْيَا والجاه الَّذِي لَا يسْتَمر لَهُ إِلَّا بالموافقة لَهُم والسلوك فِيمَا يرضيهم وَقد يحملهُ على ذَلِك الْحِرْص على نفاق مُصَنفه بَينهم واشتهاره عِنْدهم وتداولهم لَهُ
وَمَا كَانَ أغناه عَن هَذِه البلية الَّتِي وَقع فِيهَا وَالْجِنَايَة الَّتِي جناها عل نَفسه فِي العاجلة والآجلة
أما فِي الآجلة فَظَاهر فَإِن اشْتِغَاله بذلك التصنيف الْمُشْتَمل على تَأْثِير رأى فَرد من أَفْرَاد أهل الْعلم على مَا شَرعه الله فِي مُحكم كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله من أعظم الذُّنُوب الَّتِي تَلقاهُ بَين يَدي الله فَإِنَّهُ ضال مضل مفتون فاتن محَارب للشريعة المطهرة معاند لَهَا فَعَلَيهِ إِثْم بِمَا سنة من هَذِه السّنة السَّيئَة وإثم من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما فِي العاجلة فَإِن مثل هَؤُلَاءِ الصم الْبكم من المقلدة لَا يفرح الْعَاقِل
1 / 104