وقال أيضا: فالصانع لهذا العالم، ولترتيبه، وهو الحق الأول، وله العلم المحض فى الغاية القصوى، وعن علمه يكون ترتيب الأشياء ونظامها، وإلى الاقتداء به يشتاق. وقال أيضا بعد كلام طويل: فقد تبين من هذا أن الله يعلم ذاته، ويعلم بذلك جميع الأشياء التى هو مبدأها، وأحوالها وتصرفها، ويعلم ذلك كله معا. وقال أيضا فى كتاب سمع الكيان أقاويل كثيرة من هذا الفن، غير أنى أكتفى منها بقول واحد قاله فى المقالة الثامنة منه، قال: ليست الخليقة، يا هذا، غير مهيأة مفعولة، وإنها لحسنة التهيئة والفعل. وإذا كانت فيها تهيئة، فقد اضطرت أن تكون بإرادة وقدرة عليها نعت واحد، وإن الذى لا منتهى له، ليس له نعت واحد، ولا حد.
وأما فلاطن، فإنه تكلم فى النفس فى الكتاب المنسوب إلى فادن فى النفس، وأطنب فى وصف الثواب والعقاب والحساب فى الآخرة، وطبقات الثواب والعقاب بعد الموت، مما يطول إعادته، ولكن نذكر منه طرفا. قال سقراط: أظنك، يا قابس، لم تفهم عنى بعد. قال قابس: لا والله واهب الحياة فما فهمت عنك على ما ينبغى. قال سقراط: فانهم عنى، فإنى مستأنف بك قولا مجددا. ثم قال سقراط بعد أن قال: فإن سلمت لى بهذه الأشياء، أوجدتك أن النفس شئ لا يبطل بعد مفارقة البدن؟ قال قابس: فبادر بنتيجتك، فإنى مسلم لك. قال سقراط بعد أن قال: فالنفس غير مائتة، ولا باطلة، بعد مفارقة البدن، قال سقراط: ثبت، يا قابس، أن أنفسنا بعد الموت موجودة، لا فى مدة هذا الزمان الذى تنسب فيه إلى الحياة، بل فى الأبد أبدا. وقال فى موضع آخر: وعند ذلك لا يؤذن فى السرور، فإنه لو كان الموت هو بوار الأمر كله، لكانت هذه هى فرصة الأشرار، إذا ماتوا أن يستريحوا من البدن، ومن همهم مع النفس التى هى فى أبدانهم.
Page 8