ثم انظر أيضا، مع ما تنظر من حالات الأغذية، فى حالات المعدة! فإنك قد تجد من المعدة ما الغالب عليها الحرارة النارية. إما لأن مزاجها من أجل خلقتها كذلك، أو لأن مرارا أصفر ينصب إليها مما قد مال من أصل الخلقة عن طريقه الذى كان إلى الأمعاء، فصار ينصب إليها. فإن المعدة التى هى حالها تهضم من الأغذية غليظها، كلحم البقر، ونظيره، ويفسد فيها ما لطف كلحوم الدراج والفراريح.
فليس ينبغى لك أن تمتحن وتجرب الأغذية، وتقطع عليها بأن بعضها سريع الانهضام، وبعضها بطئ الانهضام، بحسب حالات هذه المعدة. فإن هذه المعدة، وما سواها مما بعد عن الاعتدال بعدا كثيرا، لا يصح القضاء على الأغذية من جهتها.
ويجب أن تنظر فى أمر الأغذية نظرا آخر، وهو أن من المأكولات ما أكثر ما فيها ما يغذو، لمشابهتها لجسم المغتذى، وذلك كالحنطة، والشعير، والأرز، وما شابه هذه من الحبوب، وكلحوم الحيوان العذبة الطعم، السريعة النضج والانهضام. فإن جميع ذلك، وما جانسه، يغذو الإنسان، إذا أجيد إصلاحه، غذاء كثيرا. فأما ما وجد من المأكولات غير مشابه لجسم المغتذى، فإنه، مع أنه لا يغذى غذاء محمودا، فإنه قد يمرض، إذا لم يفهم الآكل له وجه استعماله، وذلك كالمأكولات التى قد غلبت على بعضها الحموضة المفرطة، والملوحة المفرطة، والحلاوة المفرطة، أو القبض المفرط. فإن هذه إلى طبائع الأدوية هى أميل.
وقد يوجد بين المأكولات المشابهة، والخارجة إلى الأطراف خروجا كثيرا، متوسطات، مختلفة المراتب، إذا حسن إصلاحها، غذت المغتذى بها، لم تضره. وأيضا فإن من هذه الخارجة عن التوسط فى الطعوم ما يصلح أبدانا كثيرة، كالذى يفعله العسل، فإنه يصلح أبدان المشائخ، وخاصة من كان مزاجه منهم باردا، ومن غلب عليه البلغم، وكذلك أصحاب الأمزجة الباردة، وفى الأزمان الباردة، وفى البلدان الباردة. فافهم ذلك، وقس عليه باقى المأكولات ذوات الطعوم الظاهرة المختلفة! وإذا صح لك معرفة الغذاء الموافق، فاحذر من الزيادة والنقصان، وتوخ التوسط! فإنه أسلم وأوفق.
Page 41