وأيضا فإن من فسد ذوقه بمرض أو بعرض من الأعراض، لا يلتذ بطعامه ولا بشرابه، وما لا يلتذه الذوق، كرهته المعدة ودفعته. وإذا بقى البدن بغير غذاء، هلك الحيوان، وفسد. فسبحان من نعمه على خلائقه دائمة!
ولأن الفم — كما قلنا — مركب من أجزاء مختلفة، فلذلك يجب أن تخص كل جزء من أجزائه بتدبير موافق لذلك الجزء فى مصالحه، سوى إصلاح الأمور العامية له بأسره. وأول الأمور العامية التى بصلاحها تصلح أفعال الفم، وبفسادها تفسد، هو الهواء. فإنه دائما يرد عليه، وهو دائم الاختلاف، لأنه قد يتغير فى اليوم الواحد إلى الحر والبرد، والرطوبة واليبس، عدة تغيرات، فضلا عما يتغير إليه فى الفصول، وبحسب هبوب الرياح.
فيجب أن تتوقى وتحذر على فيك أن يدخله هواء غير موافق، بحسب طاقتك. وقد علمت مما قدمناه من القول فى الحواس الأخر أيما هى الأهوية الرديئة، فاحذرها بأسرها! واحذر أيضا مع ذلك ورود هواء قد حمل إليك بخارات الجيف والزبول المتعفنة وأبخرة ما ينفثه أصحاب العلل القاتلة، كالذى ينفثه أصحاب قرحة الرئة، والردئ من نفث أصحاب ذات الجنب! فإن المنتن من ذلك يفسد ويعدى. وكذلك احذر أيضا ما خالط الهواء من أبخرة البراز، والقذف، وما خرج من النزلات، والخراجات الرديئة، وسائر ما برز من الجسم!
وكذلك فاحذر أيضا من أن يرد إلى فيك من الطعوم ما يفسد، بكيفية له رديئة، مذاقك أو جزءا من أجزاء فيك، كالأسنان، أو اللسان، أو الحنك، أو ما سوى ذلك، كذوات الطعوم الشديدة الحمض، أو الشديدة القبض، أو الشديدة المرارة! فإن هذه تضر بآلات الذوق، وآلات الفم، وخاصة الأسنان. واجتهد فى تنقية هذه الآلات بالدلك والسواك والجلى! واعتمد فى جلائها على دلكها بالعسل! فإنه ينقى الأوساخ، واللزوجة التى تجتمع عليها، وخاصة على الأسنان. واجتهد فى أن لا يتراقى من معدتك إلى فيك إلا بخار محمود! فإن الأبخرة الرديئة تفسد الفم. وإنما يتم لك ذلك بإصلاحك لأغذيتك فى كميتها، وكيفيتها، وترتيبها.
Page 37