فارجع بنا إلى القول فى آلة الشم، واعلم أن الواسطة فى اشتمام الروايح هى الهواء. فلذلك يجب أن تعدله، وتحتاط فى صلاحه، للسبب الأعظم الذى هو الحياة والبقاء. فإنه من المنخرين يصل إلى الدماغ، وإلى الرئة، فيروح عنهما، ويمدهما بالصافى النقى منه. والسبب الثانى أن به تصل الروائح إلى البطنين المقدمين من الدماغ اللذين بهما يكون الشم.
والوجه الأخير من فساد الهواء قد تقدم لنا القول به، عند القول فى حاسة البصر، وحاسة السمع. ومع ذلك فإنى أقول أيضا إنك، وإن بعدت من القرب من مواضع الروائح الرديئة، فإنه ينبغى أن تحتال لموضعك، ولهوائك المحيط بك، فى أن تكسبه روائح موافقة طيبة، ليصل إلى دماغك دائما بالشم ما يصلحه، ويصلح الروح النفسانى التى فيه، وتذكيها، كالبخورات وأنواع الطيب. ولذلك تجد الأفاضل يكسون ثيابهم وأجسامهم بالبخورات، وغيرها من هذه الروائح، ليدوم استنشاقهم لها. فتعمل لذلك، ولا تهمله! فإنك قد تنتفع بذلك بوجه آخر، وهو أنك قد تحضر عند مرضى، فتنال من روائحهم ما يؤذيك، ولا يمكنك أن تنفك منه، فتلك الروائح التى قد أكسبتها لكسوتك تمنع عنك، وتقاوم لك تلك الروائح. ومع ذلك فإن فى ذلك راحة ما، وقوة نفس عاجلة للمريض، إذا اشتم روائحك. فهكذا ينبغى أن تصلح هواءك. ولذلك يجب أن يكون تعلمك للطبيب، لا لغيره.
ثم اجتهد فى أن يكون ما يترقى من المعدة إلى آلة الشم من البخارات محمودا. وإنما يتم لك ذلك باحترازك من كثرة الأغذية والأشربة، وفساد كيفياتها، وسوء ترتيبها. وقد ذكرت فيما تقدم من ذلك طرفا، فخذ نفسك باستعمال الموافق لك من جميع ذلك، لينقى دماغك، وسائر حواسك، بذلك! وخذ نفسك بتنقية المنخرين اللذين قد خلقا كالمحرابين لتنفذ فيهما الفضلات! وتعاهدهما بالغسل والدهن فى أوقات دلكك! واختر لنفسك النوع الموافق من الرياضة والدلك والاستحمام! فإن فى ذلك تنقية للدماغ، والحواس من فضلاتها.
وتوق عند ممارستك العلاج من روائح الأدوية المنكرة الروائح! فإن يكن لا يوافق مزاجك، ومزاج دماغك، ما تريد معاناته منها، فتقدم إلى غيرك فى صنعتها، بحضرتك! فإن الضرر الداخل من ذلك ليس هو على الدماغ، وعلى آلة الشم فقط، بل وعلى القلب والرئة، فاعلم ذلك!
واجعل البرهان لك على صحة ما ذكرته ما أمر به بقراط فى كتابه فى الغذاء! فإنه يأمر هناك بشم الروائح الموافقة الطيبة، المقوية للنفس، لمن أردنا تغذيته تغذية لطيفة، وقد عاقنا عن إعطاء هؤلاء من الأغذية اللطيفة عائق ما، فأمر باستعمال شم الروائح فيهم، فقال هذا القول، قال بقراط: من احتاج بدنه إلى زيادة سريعة، فأبلغ الأشياء فى رد قوته الشئ الرطب، ومن احتاج من ذلك إلى ما هو أسرع، فتقويته تكون بالشم.
Page 35