فأما الرياضات الموافقة لكل واحد من الناس، التى انخرج بها إلى الأعياء والتعب، فإنها تقوى الدماغ على قبوله للغذاء، وعلى نضجه، وعلى إنفائه عنه فضلاته التى لا حاجة به إليها، وكذلك تقوى أيضا الحواس بأسرها، وتجود حركات الأعضاء وأفعالها.
ويجب أن تعلم أن الرياضة جنس يعم أنواعا كثيرة من الحركات، لأن الدلك نوع لها، والركوب على اختلاف أصنافه نوع لها، وكذلك المشى والحصار والصراع. ومما يدخل فى جملتها أيضا الدهن والتمريخ والاستحمام والدلك، وأشباه ذلك من الحركات القوية. وذلك أن ليس كل حركة رياضة، لكن الرياضة هى الحركة القوية عند المرتاض، من قبل أن حركة ما قد تكون قوية عند إنسان، ضعيفة عند آخر. فلذلك ليس كل حركة رياضة، والحد للرياضة هو مع ابتدائها فى تغيير نفس المتحرك إلى العظم والسرعة والتواتر، فإنها حينئذ تسمى تعبا ورياضة.
ولذلك قال جالينوس: إن اسم الرياضة فى لغة اليونانيين تشتق من العرى، لأن الذين يعملون الأعمال المتحركة يعملونها عراة. وقال: إن منافع الرياضة جنسان: أحدهما استفراغ الفضول، والآخر جودة بنية الأعضاء الأصلية. والرياضة تحدث ثلاثة أمور: أحدها صلابة الآلات لمحاكتها بعضها ببعض، ونمو الحرارة الغريزية، وتزايد الحث فى حركة الروح.
فأما منافعها الجزئية، فهى قوة الجذب، وجودة الاستحالة، وجودة الاغتذاء، وانحلال الفضلات الصلبة، ورقة الرطوبات، واتساع المجارى والمسام، واستفراغ الفضول، وجودة الدفع. ولأجل أنها تنشر الغذاء فى البدن، فلذلك ينبغى أن تحذر قبل هضم المعدة والكبد والأعضاء ما ورد إليهم من الغذاء، لكن وقتها ينبغى أن يكون قبل الغذاء، كما قال بقراط فى الفصول: إن التعب ينبغى أن يقدم على تناول الغذاء. وأنت إذا أردت معرفة أصناف ذلك، ومنافعه، تعلمه من كتاب معلمنا جالينوس الذى عنونه بتدبير الأصحاء، وهو ست مقالات، وواجب عليك قراءته.
وأما الضرب الثانى من أفعال الدماغ التى لا يفعلها بذاته، لكن يفعلها بتوسط الآلات الأخر، فهى أفعاله الحسية التى يفعلها بتوسط الحواس. وقد ينبغى هاهنا أن نذكر واحدا واحدا من الحواس ، وأفعاله، لتعلم بذلك حركاته، فيصح لك حفظها بما يوافقها من الحركات والمتحركات والمحسوسات.
Page 29