وبعد إحكام الطبيب لما ذكرناه من جمل الأصول وفروعها، فيلزمه أن يعلم أن الأبدان لا تثبت على حالة واحدة، لسرعة تغاير الأزمان لها، وتبدل أمزجتها، فالأبدان لذلك تنحل دائما وتنقص. فلذلك هى محتاجة إلى ما يخلف عليها عوضا لما تحلل منها. والمخلف عليها ذلك هو الغذاء. ولأن لا سبيل لنا إلى أن نورد إلى أجسامنا مثل ما تحلل منها سواء فى مشابهته ومقداره، لأن ذلك من أعمال الطبيعة، فلذلك وجب علينا ألا نورد إلى أجسامنا، ونحن نريد أن نغذوها، ما بعد عن مشابهتها بعدا كبيرا، لكن نجتهد فى أن يكون ما نورده من المأكول والمشروب أشده مشابهة لأجسامنا، وأقربه من نوعها، وأسرعه استحالة إليها.
وبغير شك أنه من لم يحكم تعرف مزاج جسمه، ويحكم معرفة أنواع المأكولات والمشروبات، ويعلم مقدار مزاج مزاج من جميع ذلك، أنه لا يقدر على معرفة ما يحفظ صحته من الأغذية والأشربة، ولا يحسن تقدير ما صلح منها لنفسه، ولا لغيره. وأيضا فإذا كانت المأكولات والمشروبات القريبة الشبه لأبداننا، الموافقة لأمزجتنا، ولو على غاية ما يمكن من المشابهة، لا تغذو أبداننا، ولا تلصق بأعضائنا، إلا من بعد طبخ أعضائنا لها، ونضجها، وبعد تمييز الطبيعة لها، لتدفع إلى كل عضو ما يشاكله ويشبهه.
فلابد من فضلات لا تصلح لتغذية الأعضاء، فيجب بروزها. فلذلك أعد البارئ تعالى فى جسم الإنسان موا ضع تجتمع فيها، وطرقا تبرز منها، لئلا يفسد بكثرتها، وطول مقامها. ولذلك صار واجبا على حافظ الصحة أن يفتقد هذه الجوائز والطرق، هل أفعالها جارية على الأمر الطبيعى، وهل هى فى خدمتها لطبيعة ذلك البدن على ما ينبغى، أم محتاجة إلى معاونة من خارج. فإن من أفعال الطبيب تفقد ذلك، وإعانة الطبيعة بجميع الوجوه على إخراج ما كثر، وإصلاح طرقها بحسب طاقته.
Page 20