وأما ما قاله جالينوس فى كتبه فى هذا المعنى، فكثيرة نذكر منها يسيرا. قال فى المقالة الخامسة من كتابه فى منافع الأعضاء: وذلك أن بعد همتك وعنايتك لا يلحق بحكمة الخالق لذلك، وببعد شأنه وعنايته. ثم قال فى قول آخر بعد ذلك: فإنى أرى أن فى ذلك كفاية فى البيان عن آثار حكمة الله تعالى فى الخليقة.
وقال فى المقالة السادسة من هذا الكتاب: وخالقنا، إذ هو حكيم، لا يغيب عن حكمه شئ، فهو لم يخلق فى شئ من الحيوان شيئا باطلا ولا جزافا. وقال فى المقالة السابعة منه فى خلق القلب وتجويفه الأيسر منه: فيجب لنا الشكر له، إذ كان إنما لطف فى ذلك، واحتاط فيه، حتى جعله على ما هو عليه، لكى لا تخمد الحرارة الغريزية.
وقال أيضا: وهذا السر الذى أريد أن أخبرك به ليس بدون تلك الأسرار، ولا ينقص عنها فى الدلالة على حكمة الله وقدرته وعنايته. وقال: وقد أشرفت من لطف الخالق وقدرته فى هذا وغيره على أشياء، أنا مقر بأن طاقتى تقصر عن بلوغ ما يستحقه من الثناء والمديح على حسن تقديره لخلقه الحيوان، وغير الحيوان.
وقال فى التاسعة: لم يخلق الله شيئا مما وصفنا باطلا، ولا عن غير تعمد. وقال فى العاشرة: وجميع ما وصفنا يدل على سابق علم خالقنا، وحكمته العجيبة. وقال: فلما صحت عزيمتى على الإضراب عن شرح كذا وكذا تخفيفا عن المتعلمين، رأيت فيما يرى النائم، بإلهام من الله، طارقا طرقنى يعذلنى ويلومنى، ويقول: لقد ظلمت هذه الآلة التى هيأها الله، ونافقت الخالق تبارك شرح هذا الفعل العظيم الذى يدل على غاية رحمة الخالق بالخلق. فألحق آخر هذه المقالة! ثم قال: أمرنى واحد من الملائكة بعد ذلك بشرحها، وأنا منته إلى أمرنى به. وقال أيضا: فالله يعلم أنى ما أتزيد فيما أقول. ثم أقسم أنى ما أتكلم إلا بحق من قبل أن يأمرنى الله سبحانه بوضع هذا فى كتاب، قد كنت عزمت على أن أطرح أكثره، وذلك لكيلا يبغضنى ويشنأنى كثير من الناس.
Page 10