قالوا: لا ندري، قال: إنما جهلتُ من الشفتين ما جهلتم من الظهر؛ ولقد حضرت جماعة من وجوه الكتَّاب والعمال العلماء بتحلّب الفَيْء وقتل النفوس فيه، وإخراب البلاد، والتوفير العائد على السلطان بالخُسْران المبين، وقد دخل عليهم رجل من النَّخَّاسين ومعه جاريةٌ رُدت عليه بسنّ شاغية زائدة، فقال: تبرأتُ إليهم من الشَّغَا فردُّوها عليَّ بالزيادة، فكم في فم الإنسان من سِنٍّ؟ فما كان فيهم أحد عَرَفَ ذلك، حتى أدخل رجل منهم سَبَّابته في فِيهِ يعُدُّ بها عَوَارضه فسال لُعابُه، وضمَّ رجل فاه وجعل يعدّها بلسانه. فهل يَحْسُن بمن ائتمنه السلطان على رعيته وأمواله ورضي بحكمه ونظره أن يجهل هذا في نفسه؟ وهل هو في ذلك إلا بمنزلة مَن جهل عدد أصابعه؟ ولقد جرى في هذا المجلس كلام كثيرٌ في ذكر عيوب الرقيق، فما رأيت أحدًا منهم يعرف فَرْقَ ما بين الوَكَعِ والكَوَعِ، ولا الحَنَفَ من الفَدَع، ولا اللَّمى من اللَّطَع.
فلما أن رأيت هذا الشأن كل يوم إلى نُقصانٍ، وخشيت أن يذهب
1 / 11