﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾:
(إن): هي (إنَّ) المشددة، خففت وألغيت عن العمل، وأتى بها لمجرد التأكيد.
والضمير في ﴿كَانَتْ﴾ عائد إلى القبلة، وكبيرة: ثقيلة شاقة. وإنما أخبر عن القبلة بأنها ثقيلة شاقة على بعض النفوس؛ لأنها اسم لبيت المقدس الواجب استقباله في الصلاة، فوجوب الاستقبال صار شطرًا من معنى القبلة؛ وهذا الشطر هو الذي جعلها شاقة على بعض النفوس. والمعنى: وإن القبلة -التي شرعناها لتمييز من يتبع الرسول ممن يعصي أمره- لا يسهل الاستسلام لشرعها إلا على الذين جعل الله في قلويهم نورًا من الهدى؛ فإنهم يتجهون إليها بخضوع، ولا يجدون في صدورهم حرجًا من استقبالها.
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾:
سبب نزول هذه الجملة: ما روي في الصحيح عن البراء بن عازب: أنه قال: "مات على القبلة -أي: بيت المقدس- قبل أن تحول رجالٌ، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾. ومن هنا ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد من الإيمان: الصلاة، وأطلق الإيمان على الصلاة؛ لأنه لازم لها؛ إذ لا صلاة بحق إلا مع الإيمان. ويصح أن يكون في الجملة مع هذا وعد للمخاطبين الذين ثبتوا على الإيمان عند فتنة القبلة بأن الله لا يضيع إيمانهم. ومعنى عدم إضاعة الصلاة أو الإيمان: أن الله يجازيهم على ذلك الجزاء الأوفى.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾:
الرؤوف: من الرأفة، وهي صفة تقتضي دفع المكروه، وإزالةَ الضرر.