لأن عيسى جاء مصدقًا لما في التوراة، وإنما نسخ منها أحكامًا يسيرة، كما قال تعالى: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠]، فكأن ما أوتيه النبيان شيء واحد.
﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾:
بعد أن ذكر ما أنزل على أنبياء بأعيانهم، ذكر ما أنزل على غيرهم من الأنبياء على وجه عام، وذكر ما أوتي موسى وعيسى بوجه خاص؛ لأن الكلام في الآية مع اليهود والنصارى، وموسى متبوع لليهود، وعيسى متبوع للنصارى، وقدم الإيمان بالله؛ لأن الإيمان بالنبي وما أنزل إليه متوقف على الإيمان بالله، وقدم ما أنزل إلينا، وهذا يستلزم الإيمان به على وجهي الإجمال والتفصيل، أما ما أنزل على الأنبياء من قبل؛ كالتوراة والإنجيل، فيكفي الإيمان به على وجه الإجمال، بل قال النبي ﷺ -كما جاء في "الجامع الصحيح" للإمام البخاري-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إليكم"، والمراد بما لا نصدقهم فيه ولا نكذبهم: ما يكون محتملًا للصدق والكذب. فمن الجائز أن يكون في نفس الأمر صدقًا، فنقع بتكذيبه في حرج، أو يكون كذبًا، ولا ينبغي لنا أن نتلقى الكذب، ونضعه بمكان الصدق.
﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾:
التفرقة: جعل شيء مفارقًا لآخر. و﴿أَحَدٌ﴾ يستعمل بمعنى واحد، كما جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]. ويطلق على ما يصلح أن يخاطب، واحدًا كان أو مثنى أو مجموعًا، وإذا أضيف إليه كلمة (بين)، كان المراد به: جمعًا من الجنس الذي يدل عليه الكلام. وإنما