﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾:
سبق لنا أن (كذلك) تستعمل لتئبيت أمر متقدم عليها، أو متأخر عنها. و﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: الأمم المكذبة لرسلهم من أسلافهم وغيرهم. والتماثل المشار إليه بقوله: ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ يصح أن يكون في اقترل ما لا يليق سؤاله، ولا يلزم أن يكون في نفس قولهم: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾. وقد سأل من قبلهم ما لا يليق سؤاله؛ كما قال بنو إسرائيل: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣]، وقالوا ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [المائدة: ١١٢].
﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾:
الضمير في قوله: ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ عائد إلى الذين لا يعلمون، والذين من قبلهم، وتشابه قلوبهم في العمى والعناد، وفي هذا تسلية له ﷺ؛ بأنه كما لقي من أولئك الذين لا يعلمون جحودًا وعنادًا، قد لقي الرسل قبله من أقوامهم مثل هذا الجحود والعناد.
﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾:
لما ذكر تعالى أن اقتراح ما تقدم من تكليم الله، أو إتيان آية إنما هو صادر من قوم لا يعلمون، أخبر في هذه الجملة بانه قد أقام على صدق رسالة النبي ﷺ آيات بينات يفقهها قوم يوقنون، وهم من شأنهم الإخلاص في طلب الحق أينما كان، فيتجهون إليه من طريق الأدلة الصحيحة بقلوب نقية من الأهواء، ونفوس مبرأة من التقليد، وعقول لا تتعثر في الشبهات، فإذا وصلوا إلى حقيقة، تقبلوها بارتياح واذعان، أما من غلبت عليهم الأهواء، واستحوذ عليهم العناد، فلا يرجى منهم أن يفتحوا أعينهم في الآيات، وينتفعوا بها، وإن كانت أوضح من الشمس المشرقة، كما قال تعالى في شأنهم: