في الواقع؛ كقلب جماد إلى حيوان، أو حيوان إلى جماد، وهذا النوع لم يقع لنا دليل، ولا ظاهر في الشريعة على وقوعه، وربما كانت الحاجة إلى الفرق بين المعجزة والسحر فرقًا واضحًا تقتضي عدم صحة وقوعه، فالساحر لا يبلغ أن يقلب العصا ثعبانًا، ولا أن يفلق البحر فتمر بين فرقيه الجيوش، ولا أن يجعل الماء ينبع من بين الأصابع، فتروى منه العطاش، وأعني: أنه لا يجري على يده من خوارق العادات مثل ما يجري على أيدي الأنبياء للإعجاز.
والنوع الآخر: وهو أن يزاول بعض النفوس الخبيثة أفعالًا يكون لها أثر في شخص آخر من غير اتصال ولا مماسة، فجائز الوقوع، ولا يبلغ في الاستبعاد مبلغ النوع الأول.
﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾:
هذا معطوف على ﴿السِّحْرَ﴾ في قوله تعالى: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ و﴿الْمَلَكَيْنِ﴾: تثنية ملَك - بفتح اللام - والملك كائن نعلم من حقيقته أنه ذو حياة ونطق عقلي، ومن مميزاته: أنه لا يعصي الله فيما يأمره به؛ أي: إنه مفطور على الطاعة يأتيها من غير تكلف. و(بابل): بلدة قديمة بالعراق ينسب إليها السحر والخمر.
و﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ اسمان للملكين. والذي أنزل عليهما: وصف السحر، وماهيته، وكيفية الاحتيال به؛ ليعرَّفاه الناس فيجتنبوه، ولكن الشياطين عرفوه، فعمِلوا به.
والمؤمنون عرفوه، واستفادوا من الاطلاع عليه، فتجنبوه. واختصت بابل بالإنزال؛ لأنها كانت كثر البلاد عملًا بالسحر. ومما يروى في أصل