أصول الفقه التي تبنى عليها الأحكام العملية، وأما أحكام الوقائع الجزئية، فإن الراسخين في العلم يكتفون في تقريرها بما يصلون إليه من الظنون القوية. ومن أهل العلم من فسر الظن في الآية بمعنى: الشك، وهو التردد بين أمرين من غير أن يترجح أحدهما على الآخر، فيكون المعنى: أن هؤلاء اليهود ليسوا على علم من أمور الدين، وإنما هم في شك منها، وإن الشك لا يغني من الحق شيئًا.
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾:
الويل: الفضيحة والخزي، وقيل: الويل: الهلاك، وهو وارد مورد الدعاء.
و﴿الْكِتَابَ﴾: ما يكتبونه من أشياء اختلقوها ووضعوها بدلًا مما في التوراة. وقال: ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾؛ ليؤكد أن الكتابة باشروها بأنفسهم، ويدفع توهم أنهم أمروا غيرهم بكتابتها، وأَمْرُ الشخص آخر بكتابة الكتاب، يسيغ نسبة الكتاب إلى ذلك الشخص على وجه المجاز.
﴿ثُمَّ يَقُولُونَ﴾ لأتباعهم الأميين: ﴿هَذَا﴾؛ أي: ما كتبوه بأيديهم ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾؛ أي: من نصوص التوراة التي أنزلها الله على موسى- ﵇، وإنما يقولون ذلك ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾؛ أي: المكتوب المحرف ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾. والثمن: عرض الدنيا، وكل عرض يؤخذ في مقابلة وضع الحق مكان الباطل فهو قليل.
﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾:
هذا وعيد لهم مرتب على كتابة الكتاب المحرَّف؛ أي: خزي وهلاك لهم على ما فعلوا من تحريف الكتاب.