يفتتحه ويختمه بالصلاة على النبي ﷺ .
ثم يشر ع في الذّكر، وكان قد عُرفت عادتُه لا يُكلّمه أحدٌ بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يُسمع نفسه، وربما يسمع ذكره من الروحانية مع كونه في خلال ذلك يكثر من تقليب بصره نحو السماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس، ويزول وقتُ النهي عن الصلاة.
وكنت مدّة إقامتي بدمشق ملازمه جلَّ النهار وكثيرًا من الليل، وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها، ويقطع ذلك الوقت كله، أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس في تكرير تلاوتها، ففكّرت في ذلك لِمَ قد لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبان لي، والله أعلم، أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ بين ما ورد في الأحاديث وما ذكره العلماء، هل يستحب تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس؟ فرأى ﵁ أنّ في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعًا بين القولين وتحصيلًا للفضيلتين، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته.
ثم إنه كان يركع، فإذا أراد سماع حديث في مكان آخر سارع إليه من فوره، مع من يصحبه، فقلَّ أن يراه أحدٌ ممن له بصيرة إلا وانكبَّ على يديه فيقبلهما، حتى إنه كان إذا رآه أرباب المعايش يتخَطّون (^١) من حوانيتهم للسلام عليه والتبرّك به، وهو مع هذا يُعطي كُلًّا منهم نصيبًا وافرًا من السلام وغيره، وإذا رأى منكرًا في طريقه أزاله، أو سمع بجنازة سارع إلى
_________
(^١) (ط): «يتخبطون»، والمثبت من (ك).
1 / 760