فتمتم فيلكس كلمات لا تفهم؛ لأن السكر كان قد عقد لسانه، وخيل له أن الخمارة ومن فيها تدور به وحوله، وعند ذلك دفع الرجلان ثمن الشراب وخرجا بفيلكس من هذه الخمارة، وهما يتأبطان ذراعه، وهو لا يعلم إلى أين يسير.
وفي الصباح صحا من رقاده، وهو يشعر باهتزاز عنيف، ففرك عينيه، ونظر إلى ما حواليه، فوجد أنه كان نائما على حصير في غرفة كان بابها مفتوحا، فخرج من الغرفة فوجد نفسه على ظهر سفينة، وأن هذه السفينة قد توغلت في عرض البحر، وأن المياه تكتنفها من كل جانب، فلا أثر للبر.
الفصل الثالث عشر
ودق المنكود يدا بيد وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله! أين أنا؟ وإلى أين المصير؟ ثم شعر بيد وضعت على كتفه فالتفت، فرأى صاحبه بالأمس يقول له: إنك لم تتوقع شيئا من ذلك؟
فقال له بلهجة القانطين: أين نحن الآن؟
قال: إننا نخرج من المانش، وبعد أسبوعين نصل إلى السنغال. فغطى وجهه بيديه وقال: رباه! إني بشر، وهذا فوق طاقة البشر! وكان في السفينة رجل طيب السريرة حسن الأخلاق يدعى شارنسون؛ فحن عليه وجعل يعزيه عن مصيبته، وقد علم منه أن الربان محتاج إلى بحارة، فاختطفه على الشكل المتقدم، وأن السفينة مسافرة إلى الشواطئ الإفريقية لشراء العبيد، وهي توهم أنها ذاهبة إلى أمريكا لشحن القطن، فلم يجد المنحوس بدا من الإذعان للقضاء، وبات بحارا بالرغم عنه، فكان يذكر باكيتا ويبكي بكاء موجعا، ولم يكن من عزاء له في هذه النكبة غير صديقه شارنسون.
وقد وصلت السفينة إلى الشواطئ الإفريقية بعد سفر شهرين، فاشترى ربانها مائة وثلاثين عبدا من سيد تلك البلاد بعقود من الخرز وزجاجات الروم والأنسجة المختلفة الألوان وغير ذلك.
وكانت العادة في تلك البلاد أن قبائلها يتحاربون، ويأسر بعضهم بعضا، فمن فاز بأسر عدوه أعده للبيع، فمتى جاء البيض باعه منهم بيع السلع، وإذا تأخر قدومهم ولم يجد وسيلة لبيعه؛ أكله.
وكانت إنكلترا تثير حربا عوانا في ذلك العهد على تجار الرقيق، وقد لبثت سفنها تجوب البحار باحثة عن أولئك التجار، فإذا ظفرت بهم حكمت عليهم بالإعدام شنقا، وأعدمتهم في الحال.
فبينما كان ربان تلك السفينة عائدا بتجارته ظهرت له في عرض البحر سفينة إنكليزية، فهلع قلبه من الخوف، وحول مجرى سفينته فرارا منها إلى أن توارى عنها في ظلام الليل.
Page inconnue