قال فيلكس: لقد كذب والله!
فانتهره الربان قائلا: اسكت! ومضى بول في حديثه فقال: بينما كنت صباح أمس في منزلي إذ دخل علي هذا الفتى وهو مخضب بالدم، والخنجر في يده، فقال لي: بربك أنقذني، وقد باح بسره، وقال لي: إن الغيرة دفعته إلى قتل خليلته، وجعل يبكي ويعض يده من اليأس لخوفه من الشنق، فأشفقت عليه، وأنقذته بالحيلة التي رأيتها.
فقال فيلكس: كل ذلك كذب واختلاق يا سيدي.
فقال الربان: سنعلم الحقيقة قريبا، فقد أرسلوا إلي أمس رسالة برقية لعلمهم أني مسافر، وهذه الرسالة تتضمن أوصاف القاتل.
ثم ذهب إلى غرفته، فجاء بذلك النبأ البرقي، وكانت أوصاف القاتل المذكورة فيه تدل على أنه في الثامنة عشرة من العمر، وأنه معتدل القامة، كستني الشعر، أزرق العينين، مهنته بهلوان، فكان من عجائب الاتفاق أن هذه الأوصاف تنطبق على فيلكس، لا سيما وأنه كان لا يزال بملابس البهلوان، فغطى المنحوس وجهه بيديه وقال: رباه! إنهم لم يلقبوني عبثا «بالسيئ البخت».
أما الربان فإنه اعتبر انطباق الأوصاف برهانا جليا على صدق التهمة، فقال له: يعز علي أن تكون قاتلا، فإن عينيك لا تدلان على الإثم، ولكن التهمة ثابتة عليك على ما يظهر.
ثم نادى نائبه وقال له: كبله إلى أن نبلغ أول ميناء في إنكلترا نصلح فيه سفينتنا، وهناك نسلمه إلى إحدى السفن الفرنساوية العائدة إلى فرنسا، فتعيده إلى الهافر، فجاءوا بالأصفاد، وكبلوه وهو يبلل الأرض بدموعه.
الفصل الثاني عشر
كان يأس فيلكس عظيما في البدء، ولكنه ما لبث أن فكر في الأمر حتى استحال ذلك اليأس إلى رجاء، فقد كان شبه ميت في صندوق، وهو الآن مكبل بالقيود، فلا تذكر هذه القيود بجانب ذلك القيد الرهيب، وكانوا يريدون أن يذهبوا به إلى البلاد الأمريكية، وهم الآن يريدون إرجاعه إلى باريس، نعم إنهم سيرجعونه إليها بتهمة عقابها الإعدام، ولكن ليس أسهل عليه من نفي هذه التهمة عنه متى صار في باريس.
وفوق ذلك فقد عرف الآن كل أمره بالتفصيل، واستيقن أنه حقيقة ابن الكونتيس، وأن البارون دي نيفيل يريد إبعاده؛ كي يخلو له الجو، ولا يبقى له مزاحم في إرث الكونتيس، فكأنما تقييده وإرجاعه إلى باريس إنما كانا لخيره.
Page inconnue