فابتسم البرنس إذ علم قصده، وذهل فيلكس وباكيتا، وقال شارنسون: نعم، إنها طريقة لا سبيل فيها إلى الخطأ، وهي طريقة تفليس بنك الروليت (لعبة من القمار).
فجعل كل من الحضور ينظر إلى رفيقه نظرات تدل على الشك، وقال شارنسون: إني خلقت كسولا لا أحب العمل، ومع ذلك فإني شديد الأنفة، ويعز علي أن أعيش طول عمري بنفقاتكم، فعولت على أن أشتغل وأكسب ثلاثمائة ألف فرنك. فضحك الثلاثة، ووصلوا بعد ساعة إلى باد، وهناك جرب شارنسون طريقته، فنجحت بضعة أيام، ولم يتمكن من تفليس البنك ولكنه ربح كثيرا.
ولما أراد رفاقه أن يواصلوا سفرهم امتنع عن الذهاب معهم، وقال لهم: سوف أوافيكم متى تم لي ما أريده من جمع الثروة ... فسافروا وتركوه في باد، وهذا هو السبب في افتراقهم. فإن هذا الأبله أراد أن يكون غنيا من القمار.
ولنعد الآن إلى ما كنا فيه، فإنه بعد سفر ذلك الرجل الذي كانوا يلقبونه بالبارون، وصل فيلكس وباكيتا والأمير الروسي إلى فندق الملوك الثلاثة، وكان قد اختبأ صاحب الكلب الأسود - كما تقدم - كي لا يروه، ولكن فيلكس التفت، فرأى كلبه ينظر إليه محدقا بعينيه الصفراوين، فقاوم فيلكس نظراته، وعند ذلك خرج صاحبه من مكمنه يريد الدخول في الفندق، فارتعش فيلكس، وتراجع خطوة إلى الوراء، غير أن ذلك لم يدم غير لحظة، فابتسم ابتسامة الواثق من فوزه وقوة سلطانه على نفسه، ثم مشى إلى صاحب الكلب، وقال له: لقد عرفتك.
فضحك وقال: أحقا إنك عرفتني؟
قال نعم، فأنت علة مصائبي من حين كنت في المهد صبيا إلى الآن، فإني ما رأيتك مرة إلا أصبت بنكبة. - هذا أكيد. - إذن فاعلم أني لم أعد أخشاك. - أحق ما تقول؟ - بل أنت الذي ستخشاني، فإن سلاحي أمضى من سلاحك. - فقال له بلهجة المتهكم: ما هو سلاحك؟ - إن سلاحي هو «قوة الإرادة».
فطأطأ صاحب الكلب رأسه صاغرا، أما كلبه فإنه أركن إلى الفرار، وقد لبثا هنيهة وصاحب الكلب خاضع صاغر لا يجسر أن يلقى نظرات فيلكس، ثم رفع رأسه ونظر إليه وقال له: أرى أنك غلبتني حقيقة أيها الفتى، فإن سلطاني العظيم الذي يسمونه «النحس» لا يقهره غير قوة واحدة؛ هي تلك القوة الهائلة التي يدعونها «الإرادة».
فابتسم فيلكس وقال: إذن أنت تعترف أنك مغلوب؟ - نعم! - ألم يعد لنظراتك تأثير علي؟ - كلا! - وهل امتنعت عن التحديق إلي، فلا تقرب مني بعد الآن؟ - بل إنك تراني مرتين بعد. - لماذا؟ - لأني أريد في المرة الأولى أن أخدمك خدمة جليلة، وفي الثانية أريد أن أقول لك من أنا. ثم حياه وانصرف، يشيعه فيلكس بالنظر حتى توارى عنه وراء الأعمدة القائم عليها الفندق فوقف مطرقا، وقد تاه في مهامه التفكير، فلم ينتبه إلا لصوت يقول له : ما بالك تفكر يا فيلكس؟ وفي أي أمر تفكر؟ فالتفت فرأى الأمير الروسي، فقال له: لقد تغلبت عليه والحمد لله، وجعلته يهرب مني كما كنت أهرب منه قبلا.
قال: من هذا؟ - هو صاحب الكلب الأسود الذي كنت أكلمه.
فذهلت باكيتا وقالت: عجبا! إننا ما رأيناك تكلم أحدا!
Page inconnue