وقام إلى الباب ففتحه، فدخل منه ذلك الرجل الأشيب وكلبه الأسود، فقال لحنا: لقد بلغ مني الجوع يا سيدي، وأنا شديد الظمأ والتعب، فهل لك أن تضيفني عندك هذه الليلة؟
قال: يعز علي ألا أجيبك إلى ما طلبت، ولكنك ترى غرفتي، فلا يوجد فيها غير سرير واحد تنام فيه امرأتي، وهو كل بيتي، ثم إن ولدي مشرف على الموت، وقد شغلني ما هو فيه عن إحضار طعام في هذا اليوم، فاقصد إلى هذا القصر فإن صاحبه يحتفل بتنصير ولده، وهو فاضل كريم، فعساك تنال حظا من الوليمة. فنظر الرجل وكلبه محدقين إلى الطفل في مهده، ثم قال له الرجل: ولكن الظمأ يكاد يقتلني، فهلا تغيثني بشربة ماء؟
قال: حبا وكرامة، فلا نبخل بما عندنا. وسقاه فشكره الرجل وودعه وانصرف.
جرى كل ذلك ومادلين نائمة، فلما انصرف الرجل، عاد حنا إلى الجثو بجانب سرير ولده، وتمعن به فوجده بلا حراك، فأخذ يده الصغيرة بين يديه فألفاها باردة، فوضع يده على قلبه، فوجد أنه لا ينبض، وقد ازرقت شفتاه واصفر وجهه، فوقف وقد وهنت ركبتاه، وجحظت عيناه، فإذا الولد قد مات وأمه لا تزال نائمة!
الفصل الثالث
ولنعد الآن بالقارئ الكريم إلى ذلك القصر الفخم الذي كانوا يأدبون المأدبة فيه، فقد وضعوا الطفل في مهد من الحرير الأبيض، وأرخوا فوقه ستائر وردية، وأقبل المدعوون يداعبونه بأقوالهم المختلفة، وهو يبتسم لهم كأنه يعلم أن هذه الحفلة أعدت من أجله.
وقد اجتمع المدعوون حوله في قاعة عظيمة، واقترح واحد منهم أن يدعو كل من الحاضرين دعوة للمولود الجديد، ويقول ما يتمنى أن يكون، فوافقوا على اقتراحه، ووقفت عرابته، وهي فتاة حسناء، فقالت: إني أتمنى أن يكون جميلا، ونهض فتى من الضباط وقال: وأنا أتمنى أن يكون باسلا، وقالت امرأة من العجائز: وأنا أتمنى أن يكون محبوبا، وقالت امرأة أخرى: وأنا أتمنى إذا كان محبوبا أن يكون محبا، فلا أسمج في عيوننا - نحن النساء - من فتى لا تنفذ إلى قلبه أشعة الغرام، وقالت أخرى: وأنا أتمنى له ألا يحب غير مرة واحدة، فقال عظيم من المدعوين، وكأنه يعرض بقول المرأة: وأنا أتمنى أن يكون له جواد للصيد يغيره كل عشرة أعوام، وأن يكون له كلب واحد أمين لا يغيره مدى الحياة.
وقال أبو الطفل: أتمنى أن يكون قوي الجسم سليم البنية والأعضاء، وتمنى له عمه أن يرث كثيرا من الناس، وقد تمنى له كل من الحاضرين أمنية على نسق ما تقدم، حتى إذ فرغوا تنهدت أم الطفل وقالت: إنكم تمنيتم له كل أنواع الخير ما خلا أمرا واحدا أغفلتموه، قالوا: ما هو؟
قالت: السعادة! ولكن لم يبق أحد بينكم لم يقل قوله، فيتمنى له هذه الأمنية.
فقال أحدهم: ولكننا لا نزال في أول الليل، ولا بد أن يجيئنا زائر جديد، فنقترح عليه أن يتمنى له «السعادة».
Page inconnue