لقد تعودنا في كل عام أن نحتفل بذكرى شوقي، وكم صدرت عنه دراسات، وأقيمت حفلات وصنعت تماثيل، وأعتقد أن شوقي ثروة مصرية عربية، يجب أن نحافظ عليها وننميها، بترجمة بعض آثاره إلى اللغات العالمية، وإنشاء كرسي خاص به في كليات الآداب بجامعاتنا، وإقامة تماثيل له في عواصم المحافظات.
وما زلت أتمنى على أستاذنا الدكتور محمد صبري صاحب الشوقيات المجهولة، أن يتم عمله العظيم، بإعادة طبع دواوين شوقي، وشرح ما فيها من رموز لا يستطيع إدراكها إلا من عاشوا الأحداث التي عاشها شوقي.
وقد عاش الدكتور صبري هذه الأحداث ورعاها، وسلام على شوقي الفنان، الذي قال كلمته ولم يمش ولم يتمزق!
عالم في الذرة والموسيقى
وضعناه في أكبر المناصب ثم قتلناه
كنت كلما صافحته أحسست أني ألمس مجموعة من الأسلاك المكهربة، فلا أكاد أمد إليه يدي حتى تنتابني رعشة مبهمة، لعلها رعشة الإجلال له، أو النفور منه!
فقد كان شخصية جليلة مهيبة، وكان مبعث إجلاله ومهابته تبحره في علوم لا يدرك قيمتها إلا الأساتذة المتخصصون في هذه العلوم، التي كانت حدثا جديدا بالنسبة إلى العصر كله، ولغزا غامضا بالنسبة إلى البلاد المتخلفة، وكان بلدنا واحدا من هذه البلاد، عندما لقيت العالم المصري الذي اقترن اسمه بعدة أبحاث عن الطاقة الذرية، والنظرية النسبية لأينشتاين، وأصدر عدة كتب عن «الهندسة الوصفية» و«الميكانيكا العلمية والنظرية»، و«الهندسة المستوية الفراغية» و«النظرية النسبية الخاصة»، و«الذرة والقنابل الذرية»، و«العلم»، و«الحياة» ...
وكان أول من دعا إلى وجوب التعاون العالمي لتوجيه العلماء، ونبه إلى وجود معدن اليورانيوم في مصر.
إن الرجل قد سبق بيئته العلمية المحلية بكتبه ومحاضراته وأبحاثه ونظرياته، وهو يشغل منصبا جامعيا مرموقا، وقد اتسم بالجرأة والصراحة وشجاعة الرأي، وهذه صفات تجذبنا إلى احترامه، وهي في الوقت نفسه تدفعنا إلى النفور منه!
فلم يكن من اليسير على مجتمعنا المفتون بالسذاجة في الأدب، والمعرفة، والفن، والسياسة أن يتجاوب مع عالم يحلق بدراساته وبحوثه في أعلى الآفاق وعلى مستوى عالمي، فقد حاضر في منظمات علمية دولية، واحتل اسمه مكانا كبيرا بين علماء الرياضة العالميين، وصارت له نظرية خاصة في النسبية، يتعرض لها أساتذة الجامعات في أوروبا وأمريكا بالمناقشة والجدل، وكان يتبادل الرسائل مع أينشتاين.
صفحه نامشخص