وأخيرا، وفي عهد الثورة استطاع صاروخان أو الكسندر صاروخان، الشاب الأرمني أن يظفر بالجنسية المصرية، بعدما أصبح شيخا في الستين من عمره!
ابن البلد
وفي عام 1933 كنا جماعة من الشبان، نكره صدقي (باشا) ونتحمس للوفد، بكل ما فينا من تعصب واندفاع، وكان صدقي (باشا) رئيسا للوزارة، وقد استعمل في حكمه كل أساليب الضغط والتنكيل، وصب غضبه على الصحافة، فكان يغلق عشرات الصحف بجرة قلم، ويسوق أصحابها ومحرريها إلى السجون بتهمة العيب في الذات الملكية، وكان مجرد توجيه هذه التهمة إلى شخص، كفيلا بسجنه على الأقل رهن التحقيق!
وأصدر أحد الشبان الوفديين مجلة تنطق بلسان الشباب الوفدي، وكانت المجلة تحاول تقليد روز اليوسف في أسلوبها الساخر، وكان ينقصها أن تقلد صاروخان!
وفي أحد الأيام جاء صاحب امتياز المجلة إلى النادي السعدي، وهو يتهلل فرحا ومعه بضعة رسومات، وعرضها على الموجودين، فأعجبوا بها وأجمعوا على أنها مثل صور صاروخان، وقال صاحب الامتياز إن هذه الصور لشاب يقلد صاروخان أحسن تقليد، وعرفنا أن اسمه المختصر «رخا»، واسمه الكامل محمد عبد المنعم رخا، وقال إن رخا شخص موهوب، لم يضع وقته في تكملة الدراسة، واشتغل بالرسم الكاريكاتيري وظهرت صور رخا، وأعجب بها القراء، وكان هدف رخا محاكاة صاروخان، فهو ينقل الملامح كما يرسمها صاروخان، ويترسم حركة يده في الرسم والتعبير.
ورسم رخا صورة لصدقي باشا، وكتب فيها بحروف دقيقة عبارات تناولت الملك فؤاد، وثار الملك فؤاد، وقدم رخا إلى المحاكمة ودخل السجن، وأمضى فيه أربع سنوات، وكنا مشفقين عليه من أن ينسيه السجن موهبته في الرسم.
وخرج رخا من السجن، وإذا به ينسى فعلا موهبته في تقليد صاروخان! وإذا السجن الذي أنساه تقليد غيره يذكره بنفسه، فيهديه إلى موهبته الأصيلة الكامنة فيه، موهبة الفنان الخالق المبتكر، وخرج إلى الشارع فلقي ابن البلد وبنت البلد وعاش فيهما وعاشا فيه؛ فصور بنت البلد بالبرقع والملاية اللف، والجمال الذي يريد أن يقول نعم، ولا يستطيع أن يقول غير «لا»! وصور ابن البلد بجلبابه البسيط النظيف وذكائه الفطري، وكفاحه، ونبضات قلبه، وخلجات نفسه، بل استطاع أن يصور نبرة صوته، هذا الصوت المبحوح من طول ما صاح وشكا وهتف!
لقد سجن رخا في يوم 6 يونيو من عام 1932، وهو يوم ميلاده في الحياة، كما ثبتته شهادة الميلاد، وكان أيضا يوم ميلاده كفنان؛ فمنذ هذا اليوم صارت لرخا شخصيته الفنية الطاغية.
أثر الكاريكاتير في تفكير الساسة
وكان ساستنا عندما ظهر الكاريكاتير يخافون أن يمسهم، كانوا يفزعون من رؤية صورهم، وقد تناولتها الريشة بالسخرية والاستخفاف، وكان أشد هؤلاء الساسة ضيقا بالكاريكاتير مصطفى النحاس وعلي ماهر، وكان أكثرهما فهما للكاريكاتير وحبا له أحمد ماهر.
صفحه نامشخص