توفيق الحكيم
في المجمع اللغوي
دخل توفيق الحكيم المجمع اللغوي، جلس في المقعد الذي تعاقب عليه واصف غالي وعبد العزيز فهمي، وكلاهما منح نفسه للحرية، ومنح الحرية لنفسه، كلاهما كان شجاعا حرا؛ فواصف غالي صاحب الكلمة المشهورة: إن في ميدان التضحية والمجد لمتسعا للجميع. وعبد العزيز فهمي هو الرجل الذي حرر عقله من نير الجمود، وثار في وجه الاستبداد الخارجي والاستبداد الداخلي، وفي آخر حياته ثار على الاستبداد اللغوي، ودعا إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية!
وقد أشار توفيق الحكيم في كلمته القيمة إلى سلفيه العظيمين، وقال إنه سيحمل من بعدهما راية الحرية في المجمع اللغوي، وإنه سيدعو إلى تسكين أواخر الكلمات، أخذا بقاعدة «سكن تسلم»!
وكان توفيق الحكيم يتحدث معنا قبيل الاحتفال باستقباله في المجمع، وشرح نظريته في تسكين بعض الكلمات والأسماء، وقال إن الإنسان في كل لغة إنسان، إلا في اللغة العربية فهو بهلوان! ولما سألناه كيف ذلك؟ قال: في اللغة الإنجليزية الرجل «مان»، إذا جاء فهو «مان»، وإذا رأيته فهو «مان»، وإذا التقيت به فهو «مان»، وفي اللغة الفرنسية الرجل «لوم»، إذا جاء فهو «لوم»، وإذا رأيته فهو «لوم»، وإذا التقيت به فهو «لوم».
أما في اللغة العربية فالرجل بهلوان؛ لأنك ترفعه وتنصبه وتجره، فتقول: رأيت رجلا، وهذا رجل، والتقيت برجل.
لست أدري هل أفرح لتوفيق الحكيم بدخوله المجمع اللغوي أو أشفق عليه؟ إني أفرح للمجمع اللغوي ولا شك، فتوفيق الحكيم يفخر به أي مجمع، في أي بلد، في أي عصر، ولكني أخشى على توفيق الحكيم من مجمعنا، أخشى عليه أن يصيبه ما أصاب فنانا آخر هو الأستاذ محمود تيمور، فقد كان خارج المجمع كاتبا تمتاز عباراته بالنبض وبعض الخطأ اللغوي، فلما دخل المجمع صارت عباراته تمتاز بالهمود وكل الصواب اللغوي.
نريد لتوفيق الحكيم أن يظل في المجمع اللغوي كما كان خارج المجمع اللغوي، فإن توفيق الفنان الذي قد يبعده الفن عن روح اللغة أبقى على الدهر من توفيق اللغوي، الذي قد تبعده اللغة عن روح الفن!
فن سيد درويش
الرسام الفنان «رخا» مشغول في هذه الأيام بألحان سيد درويش، وقد قام على صفحات «الجيل الجديد» بالدعوة إلى تسجيل هذه الألحان بصوت محمد عبد الوهاب، وقال عبد الوهاب إنه يسره أن يؤدي هذه الألحان بصوته، ويسجلها كلها، ولكنه يخشى مما قد يثيره التسجيل من تنازع ورثة سيد درويش على ثروته الفنية والمادية، وهل لعبد الوهاب الحق في أن يسجل ألحان سيد درويش؟ ومن الذي يجني ثمار هذا التسجيل؟ وربما انتهى الأمر إلى مطالبته بتعويض؛ لأنه سجل الألحان بدون إذن منهم!
صفحه نامشخص