المصرية على ما نذكره إن شا الله. وأنا ذاكر ما اتفق من الأسباب الموجبة لهذه الأجلاب، أعني المماليك و المستقلين إلى رتبة الملك، وإن كنت أوردت منها بدا متفرقة فيما تقدم من أجزاء هذا التاريخ في أوقاتها وبنيها فإني ألخص الآن بعض معانيها ليستقل هذا الكتاب بأخبارهم المستأنفة والآنفة، ويكون لما تقدمه كالرادفة، فأقول: إن هذه الطايفة المذكورة التركية قوم سكناهم بالبلاد الشمالية لا يتخذون جدارا، ولا يستوطنون دارا، بل ينتقلون في أراضيهم من مصايفهم إلى مشانيهم في ارتياد مياههم ومراعيهم. وهم قبايل متعددة، يرجعون في النسبة إلى أسلافهم وينتمون إلى كبار أسلافهم. ومن قبائلهم قبيلة طقصبا وبنار وبرج أوغلى والبرلى وقنغراغلي وأنجفلي ودورت وقلابا أغلى وجرتان وقرابر كلي وكين. ولم يزالوا مستقرين في مواطنهم قاطنين بأماكنهم إلى أن اتفق خروج التتار، كما ذكرنا بتلك الأقطار واستيلا وهم على تلك الأقاليم والأمصار. فلما كان في سنة ست وعشرين وستماية، والملك يومين بكرسي جنكزخان بعد وفاته ولده دوشي خان، اتفق أن شخصا من قبيلة دورت بسمي منفوش بن كين خرج متصيدا، فصادفه شخص من قبيلة طقصبا اسمه أق كبك، وكان بينهما منافسة قديمة، فأخذه أسيرا ثم قتله. وأبطي خبر منفوش عن أبيه وأهله، ولم يعلموا أحي هو فيرجي أم ميت مسجي، فأرسلوا شخصا اسمه جلنفر ليكشف أمره ويسبر سره، فعاد إليهم مخبرا بأن أق كبك قد أوقع به وأعدمه. فعملوا ماتمه. ثم جمع أبوه أهله وقبيلته وتأهب لقتاله، فالتقت الفيتان واصطدم القبيلان (كذا) فكانت الكسرة على قبيلة طقصبا وجرح أق كبك وتفرق جمعه، فأرسل أخا له يسمي أنص إلى دوشي خان بن جنكزخان مستشرخا ومستعديا فشكا إليه ما حل به وبقومه من قبيلة دورت القفجائية)، وما فعله كين وجماعته بأخيه وقبيلته، وأعلمه أن قصدهم لم يجد من دونهم مانعا ولم يصادف عنهم دافعا، فأرسل دوشي خان معه شخصا من ثقاته ليتجسس له الأخبار ويجوس خلال الديار، ويبصر حال القوم وعدتهم واستعدادهم وعدتهم، وهل إذا رامهم يمكنه الاستظهار أو لهم منعة لحماية الذمار. فتوجه القاصد المندوب من عند دوشي خان صحبة أنص، فسار بهم إلى منازلهم ومحالهم، وأطلعه على حالهم، وعاد إلى دوشي خان، فسأل قاصده عما رأى منهم ليخبره عنهم، فقال: رأيت كلابا مكبة على إلية متي طردتهم عنها تمكنت منها. فأطمعه ذلك في البلاد التنجاق ومال إلى قصدها وناق. ثم و سأل أنص وقال له: أنت قد عاينت حال قومكم وقومنا، فأخبرني عن أمرهم وأمرنا، فقال له أنص: أما نحن فإنا ألف فارس شجر ذنبا واحدا، وأما أنتم فإنكم رأس واحد يجر أذنابا كثيرة. فزاده قوله طمعا في منالها، وحضا على قتالهم. فسار إليهم في عساكره، وأوقع بهم أشد الإيقاع، وفرقهم في البقاع، وأتي على أكثرهم قتلا وأسرا وسبيا وسلبا. فكان هذا السبب الحقير محركا لهذا التأثير:
إحضارهم إلى هذه الديار، فمن الله لهم الأسباب، وفتح أمامهم الأبواب، وعوضهم من المذلة والهوان وفراق الأقارب والإخوان دخولهم في الإيمان، وتخويلهم مزيد الاحسان، فسبحان اللطيف المنان. وإذا ذكرنا مبدأ المقتضي لجلبهم إلى هذه الديار، فلنعد إلى ما نحن بصدد سياقته من الأخبار، وبالله التوفيق.
صفحه ۵