الفصل الخامس والعشرون
التلباثي (2)
كثر الذين حادثوني أو كتبوا إلي بصدد مقالي عن «التلباثي»، الذي نشرته الرسالة في عدد مضى؛ وبدا لي من أحاديثهم ومن رسائلهم أن بعضهم فهم المقال كما أردت أن يفهم؛ وبعضهم تجاوز به إلى الحد الذي أريده، وقد استزادني أناس من الكتابة فيه، وسألني أناس غيرهم أسئلة يقترحون الإجابة عليها، وأحسبني ألبي مقترحاتهم جميعا بما آثرت من الإجابة عن خطاب كتبه إلي صديقنا الأستاذ محمد شاهين حمزة نائب الدر السابق، ولخص فيه ما قرأه تعليلا لأمثال هذه الحوادث - حيث التلباثي - فقال: ... ذكر بعض العلماء أن الأجسام تصدر منها أثناء حركتها الآلية إشارات ورسائل تنطلق على أمواج الأثير، كأنها محطات الإصدار في اللاسلكي، وهذه الرسائل التي تشير إلى شخصيات مصدريها، وتحمل بعض أفكارهم تهز مراكز خاصة في أدمغة من لهم سابق معرفة بأصحابها أثناء انطلاقها، فتلتقطها هذه وكأنها محطات الاستقبال تقابل محطات الإصدار الأولى، وكأن لكل إنسان محطتين أو جهازين للإصدار والاستقبال، ولما كانت هذه الرسائل متفاوتة القوى كانت هناك رسائل تصدر ميتة أو ضعيفة فلا تصل إلى أحد، وأخرى تصدر قوية، لكن ضعفا أو خللا في محطة الاستقبال يحول دون تلقيها.
ثم سألني الأستاذ رأيي في هذا وختم خطابه قائلا:
ونقطة أخرى أحسبها تحتاج إلى جلاء علمي هي: كيف بلغ صوت عمر بن الخطاب سارية وصحبه حين ناداهم بقوله: يا سارية بن حصن الجبل الجبل! فاستجابوا له؟
ومن اللازم فيما أرى أن أبدأ بتقرير الحد الذي يكفينا أن نقف عنده فيما يرجع إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وملكة التلباثي أو التليفزيون.
فقد أردنا أن نذكر علامات العبقرية عند بعض النفسانيين المحدثين، ومنها «الحساسية» الخاصة التي تلاحظ على بعضهم، فيشتهرون بالغرابة في إيحاء الأفكار واستيحائها، وقلنا: إن عمر بن الخطاب قد لوحظ عليه من ذلك علامات كثيرة ... كالفراسة وصدق الظن وسرعة التنبه إلى الفوارق الدقيقة بين المذوقات، كما تنبه إلى الفارق بين لبن ناقة ولبن ناقة أخرى، وكلتاهما في مكان واحد ومرعى واحد.
ومما روي عنه حديث سارية الذي أشرنا إليه، وقد لخصناه وقلنا بعد تلخيصه: «لا داعي للجزم بنفي هذه القصة استنادا إلى العقل، أو إلى العلم، أو إلى التجربة الشائعة.
فإن العقل لا يمنعها، والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها ونفي أمثالها.»
ثم عقبنا على ذلك قائلين: «إن المهم من نقل هذه القصة في هذا الصدد أن عمر كان مشهورا بين معاصريه بمكاشفة الأسرار الغيبية؛ إما بالفراسة أو الظن الصادق أو الرؤية أو النظر البعيد، وهي الهبات التي يلحقها بالعبقرية علماء العصر الذين درسوا هذه المزية الإنسانية النادرة وراقبوها.»
صفحه نامشخص