ثم دعا [السلطان بأخيه] «10» إسماعيل فأدلى بعذره، وجحد العلم بما أبداه الخائن «11» من خائنة سره وغدره. وجرت مخاوضات «12» ومراسلات اقتضاه «13» آخرها أن يستوثق منه لنفسه وملكه، إذ كان لا يلتقي سيفان في غمد، ولا يجتمع فحلان في شول «1».
وبلغني أن السلطان بعد استنزاله إياه عن القلعة بغزنة «2» بسط منه في بعض مجالس أنسه، وباحثه بلسان الاستدراج «3» عند حث السقاة عما كان ينويه في معاملته أن لو ملك من أمره ما ملكه هو منه، فحملته سلامة صدره، ونشوة خمره، على أن قال: [95 ب] كان رأيي فيك أن أوعز بك إلى بعض القلاع موسعا عليك فيما تقترحه من دار، وغلمة وجوار، ورزق على قدر الكفاية دار. فلما ارتاب السلطان عند الحادثة به ، عامله بعين ما نواه، وقابله بجنس ما أبداه، واستودعه والي الجوزجان أبا الحارث «4» ممكنا مما يشتهيه، ممتعا بمثل ما كان ينويه، فلله هذا الفعال «5» الذي طرز ديباجة الكرم، وغبر في مساعي ملوك الأمم. وقد يستغرب هذا الإسجاح «6» من وجه وإن كان لا يستبدع من آخر، لأن هناك عاطفة القربى والرحم، ولكن الشأن في الأجانب الذين تغلق رقابهم «7» الأجرام الفادحة، والجنايات الفاضحة «8»، كيف يسلط فيهم رأيه على هواه، ويستبقي الجاني بما جناه، فلم يسمع بأعف منه في الجنايات سيفا، ولا أحسن على فورة الزلات صبرا. واحتج لهذه الخصلة الفاضلة بأن الملك الحازم «9» من يسلب الجاني في حال سخطه ما يمكنه الوفاء بعينه أو بمثله عند رضاه، وجرح المال يؤسى بالتعويض والإخلاف، فأما النفوس فليس لإتلافها من تلاف.
صفحه ۱۷۷