فقال سيف: عفوا أيها الملك، إنك تملأ الأرض بعظمتك وحكمتك، ولا يمكن أن تسمو إليك سخرية، ولكني لم أقصد بابك من أجل الذهب. فلو شئت ذهبا لوجدته في معادن الأرض ترابا خسيسا، تطؤه الإبل في سيرها في الصحراء، فقطعة من الحديد خير عندي من هذا الذهب، أتخذ منها سيفا أضرب به عدوي، أو درعا تحمي صدري، أو لجاما أمسك به جوادي، أو مسمارا يدق في سفينة.
فقال الملك: أنت تحرج صدري بثرثرتك. فيم جئت إذا لم تكن طالب جائزة؟ فيم جاء أبوك هنا؟
فقال سيف: لم يجئ أبي من بلاده يطلب جائزة أيها الملك العظيم، ولست أعرف أنه يقول الشعر، ولكنه إذا قال شعرا فذلك لكي يستعطف قلبك على غاية أسمى.
فقال الملك في جفاء: كان ذلك من سنين طويلة، وأظن أمك لن تخبرك بهذا أيها الفتى.
وتحرك قلقا.
فقال سيف: أمي ريحانة بنت ذي جدن، سليلة بيت تبع ملوك اليمن، ولم يكن أبي شاعرا بل أميرا يطلب ملكا، جاء إليك لأن الأحباش غلبوا على بلاده ونزع أبرهة زوجته، جاء إليك يطلب نصرك على الظلم وعونك على من يستعبدون الأحرار، وقد جئت لأجده فوجدته هلك عند بابك وهو ينتظر وعدك! أليس هذا دينا؟ جئت إليك أطلب النصر لا الذهب، وألتمس الشرف لا الغنى. إن فارسا واحدا من ذوي النجدة أسند إليه ظهري في القتال أحب إلي من كل ذهب الدنيا.
وكان سيف يتبع حركة وجه الملك وهو ينفرج من عبسته حتى بدا عليه الارتياح والسماح، وقال له: تقرب أيها الفتى وقل ممن أنت.
فقال سيف: أنا ابن ذي يزن الحميري، ليس لي مال، ولكن قومي يعرفونني. ولولا بطش الأغربة بالناس وإيقاع الفرقة بين السادة بالرشا والإفساد لوقف الجميع ورائي.
فقال الملك: الأغربة؟
فأجاب سيف: نعم الأغربة، هؤلاء الأحباش الذين أذلوا عز اليمن وأزالوا مجدها. فهلا نصرتني أيها الملك فتكون إحدى حسناتك عند أمة تعرف الجميل؟ إن كرمك وفضلك وعدلك تحملك على أن تنصر المظلوم وإن لم يستنصر بك، فكيف وقد جئت إليك أناديك باسم أمة؟
صفحه نامشخص