فصاح يكسوم: كما نفعته حياتك.
فقال الشيخ: صدقت. فإن اعتداله رد السيوف إلى أغمادها سريعا.
فقال يكسوم: أتهددني؟
فقال الشيخ: افهم من قولي ما شئت. لقد مضت الأعوام منذ حاربت أباك وكأنها لم تكن ساعة واحدة، وأنت هذا تراني مشرفا على قبري ، وسيان عندي أتستعجل هذه البقية الضئيلة أم تدعها، اختر لنفسك ما تحب. ولكن اعلم يا يكسوم أنك تحفر لنفسك هاوية، أنت تستعجل خاتمة طغيانك كلما أوغلت فيه.
فصاح يكسوم: اصمت أيها الأحمق.
ومضى الشيخ كأنه لا يسمع: أنت لا تزيد إلا حنقا بطاعة حنقك، ولا تزيد إلا عذابا بما توقع من العذاب. أنت لا تزيد إلا بعدا عن الطمأنينة كما ظننت أن عسفك يوقع الخوف في أعدائك، وتقرب الخلاص إلى المطحونين كلما بالغت في طحنهم. أنت تحطم قيود الأشقياء الذين تقتلهم، وتضعها في عنقك أنت وفي عنق أمثال هذا الشيطان الذي يغرر بك. وأشار إلى حناطة.
وكانت كلماته هذه تتقذف في وجه يكسوم برغم صرخاته المتوالية: اصمت! اخرس! كمموا فمه!
وكان الحراس الذين حول الرجل يحاولون إسكاته وإغلاق فمه ويتجاذبونه في عنف، وهو يقاوم في قوة تشبه قوة شاب ثائر.
ولما سكت آخر الأمر كانت قواه قد خارت، وتخاذلت أعضاؤه تحت ثيابه التي ذهبت قطعا ممزقة.
وصاح يكسوم لاهثا: لقد حانت ساعتك أيها الخبيث، وما كان أولاك بالهلاك منذ أمد بعيد حتى لا تملأ الأرض فسادا، ولكنك ستلقى جزاءك الأوفى. خذوه حتى آمر فيه بأمري.
صفحه نامشخص