فقالت خيلاء في حزن: لست تفهم يا سيف. من تهب نفسها للمسيح لا تعرف رجلا.
فقال في حنق: أي خيال يسيطر عليك؟ ماذا يفعل المسيح بقلبك إذ يسلبه مني؟ لو كان رجلا لذهبت إليه أجالده عنك؟ ولكن أين هو؟ خيال؟ صورة؟ سراب؟ أليس هذا هو السراب؟
فقالت خيلاء: لا تتحدث هكذا، فإنه قول عظيم. سوف أستغفره لك ولن يحمل لك غضبا، فهو قلب رحيم.
فمد يديه نحوها قائلا: دعي هذه الأوهام يا خيلاء. تعالي أحدثك حتى تهدأ نفسك، فلا شك أن الحزن زعزعها. ماذا بعث إليك هذا الوهم الذي يكاد يكون مضحكا؟ كنت في أثناء غيبتي لا أفارقك في ساعة من ليل ولا من نهار. كنت أمامي في الزهرة والطير وفي الجدول الصافي والمرج الأخضر. كنت في السماء والنجم وفي الرمال الممتدة والنسيم الطلق. فلنذهب من هنا.
فقالت بصوت متهدج: بحقك يا سيف لا تمض في هذا القول، فإنه يدمي فؤادي.
فاستمر سيف: لنذهب من هنا إلى حيث نعيش وحدنا، لا نعرف سيدا، هناك تشرق الشمس فلا تشرق إلا لنا، وتطلع النجوم لتزين سماءنا وتؤنس مجلسنا، ويضيء القمر لكي يحلو تحته حديثنا. هناك كل ما يقع تحت بصرنا ملك لنا. هناك نستمع إلى نجوى الليل وأنغام الكون دون حجاب من سمعنا، ونقف وجها لوجه أمام الحياة دون حجاب من نظرنا. هلم نهرب بحبنا.
فقالت خيلاء في رقة: هو حبي الذي أريد أن أهرب به. سوف أحمله في قلبي لا يعتريه سأم ولا ملل، سوف يكون هو القربان المقدس الذي أتقرب به إلى مورد الحب الأسمى. أتذكر إذ كنا نقف إلى جانب الوعاء المرمري ونتأمل صورته؟ أما تذكر إذ قلت لي إن تلك الصورة تتحدى الزمان وستبقى إلى الأبد نابضة حية فتية؟ هكذا تبقى صورة حبنا منقوشة على قلبي.
فنزع سيف يديها وتمسك بهما قائلا: ما هذه النقوش التي نتخذها بديلا من وجودنا؟ نحن هنا حقائق، فلا تجعلي هذه الألفاظ تضل بنا. دعي الأسماء، ولا تسيري بنا أنت نحو السراب.
فقالت في صوت خافت: الحزن يغمرني يا سيف . ماذا أقول لك؟ لا تجعل حزن الساعة يطفئ القبس الذي أتعلل بنوره. دع لي صورتي. ماذا أقول لك؟ سأهرب إلى الدير، دير نجران، لن يصل أحد إلي هناك. سوف يعصمني الدير وأعيش فيه حرة محتفظة لك بحبي. لم أقل لك كلمة أخجل أن أقولها. لست إلا أمة. لست إلا أمة مملوكة.
وتغيرت لهجتها الوديعة إلى حنق ثائر، ومضت قائلة: نعم، أمة مملوكة يستطيع مالكي أن يجرني قسرا إلى حيث أكون له متعة، وقد يقتلني إذا شاء أو يجعلني أمثولة للذل والهوان. ما أنا إلا أمة مملوكة مثل الإبل والضأن ومثل أثاث البيت أو ...
صفحه نامشخص