كان جليا أنه منهك وفي أمس الحاجة إلى الراحة؛ إذ سقط ذقنه على صدره مغمضا عينيه. كانت أنفاسه هادئة ومنتظمة، ومال جسده نحو الشرطي الذي كان منتصبا في جلسته بقوة. سقطت ذراع ييتس اليسرى على ركبتي ستوليكر، ومال بثقل جسده عليه أكثر فأكثر. لم يكن الشرطي يعرف ما إذا كان ييتس يتظاهر بالنوم أم إنه نعسان حقا، لكنه فضل عدم المخاطرة. أبقى قبضته محكمة على مؤخرة مقبض المسدس. لكنه قال لنفسه إن ييتس من المستحيل أن يفكر في سرقة سلاحه؛ لأنه روى له قبل بضع دقائق حكاية عن أسير هرب بهذه الطريقة بالضبط. كان ستوليكر متشككا في النوايا الحسنة للرجل الذي كان في عهدته؛ إذ كان أشد تأدبا ولطفا من اللازم، وفوق ذلك، راود الشرطي شعور غبي بأن الأسير كان أذكى منه بكثير.
قال له بفظاظة: «أنت، انتصب في جلستك. فأنا لا أتلقى راتبي لكي أحملك، كما تعرف.»
قال ييتس بسرعة وهو يرمش بعينيه ويعتدل في جلسته: «ما هذا؟ ماذا؟ ماذا حدث؟ أوه، أهذا أنت يا ستوليكر. ظننتك صديقي رينمارك. هل كنت نائما؟» «إما ذلك وإما أنك كنت تتظاهر بهذا، لا أعرف ولا أبالي.»
أجاب ييتس بنعاس: «أوه، لا بد أنني كنت أتظاهر؛ فمن المستحيل أن أكون قد نمت. منذ متى ونحن هنا؟» «حوالي خمس دقائق.» «حسنا.» وبدأ رأس ييتس يتدلى مرة أخرى.
لم يراود الشرطي أي شك حيال الأمر هذه المرة. فلا أحد يستطيع التظاهر بالنوم بهذا الإتقان الشديد. كاد ييتس يسقط إلى الأمام عدة مرات، وكان في كل مرة ينقذ نفسه بحسن الحظ الذي عادة ما يحالف نائما أو ثملا. ومع ذلك، لم يرفع ستوليكر يده عن مسدسه قط. وفجأة، رمى ييتس رأسه على التبة، بترنح أشد من المعتاد، ساحبا الشرطي معه. فاعتصرت العصابة الفولاذية للأصفاد معصم ستوليكر، الذي سرعان ما قبض على سلسلة الأصفاد غريزيا لينقذ معصمه وهو يتفوه بلفظ بذيء وصرخة متألمة. وكالقطة، صار ييتس فوقه مبديا خفة حركة مذهلة من رجل كان قد سقط لتوه مكوما. وفي اللحظة التالية مباشرة أخذ المسدس ورفعه عاليا وهو يصيح مبتهجا بانتصاره: «ما قولك أيها الحكم؟ لقد هزمت حسبما أظن.»
ظل الشرطي يحك معصمه الجريح مطبقا أسنانه، ومدركا أن أي محاولة للمقاومة ستكون بلا جدوى.
قال ييتس مصوبا المسدس نحوه: «والآن يا ستوليكر، ماذا تود أن تقول قبل أن أرديك قتيلا؟»
أجاب الشرطي قائلا: «لا شيء، عدا أنك ستشنق في ويلاند بدلا من أن تبقى بضعة أيام في السجن.»
ضحك ييتس. «هذا ليس سيئا يا ستوليك، وأعتقد حقا أن لديك قدرا من الشجاعة، ما دمت تعمل صائدا للرجال. ومع ذلك، لم تكن في خطر شديد، كما تعلم. والآن، إذا كنت تريد استعادة هذا المسدس، كل ما عليك أن تراقب الموضع الذي سيهبط فيه على الأرض.» وأمسك ييتس المسدس من فوهته ثم رماه إلى أبعد ما استطاع في الحقل.
راقب ستوليكر طيرانه في الهواء بانتباه، ثم وضع يده في جيبه وأخرج شيئا صغيرا ورماه بالقرب من المكان الذي سقط فيه المسدس قدر ما استطاع.
صفحه نامشخص