صاح الفارس المتصدر حين صار ييتس ورفيقه على مقربة كافية للحديث معهما: «من أنتما؟ من أين جئتما وإلى أين تذهبان؟».
قال ييتس بمرح وثقة: «كل شيء على ما يرام أيها الكومودور، وطاب صباحك. نحن عابرا سبيل جائعان. لقد أتينا للتو من المعسكر، وذاهبان لنحصل على شيء نأكله.» «لا بد أن تعطيني إجابة أكثر إقناعا من تلك.»
رد ييتس وهو يخرج ورقة تصريحه المطوية ويسلمها للفارس: «حسنا، هاك إذن.» فقرأها الرجل بإمعان. ثم قال له ييتس: «أظنك تجد هذا كافيا تماما، أليس كذلك؟» «كافيا لاعتقالك فورا.» «لكن الجنرال قال إننا لن نتعرض لمزيد من المضايقات. هذا مكتوب بخط يده.» «أفترض أنه هكذا بالفعل، وهذا يزيد موقفك سوءا. فخط يده ليس نافذا كأوامر الملكة في هذه البلدة حتى الآن. أعتقلكما باسم الملكة. صوبا مسدسيكما نحو هذين الرجلين، وأطلقا عليهما النار إذا أبديا أي مقاومة.» وبعدما قال هذا، ترجل الفارس منزلقا من على ظهر حصانه، وسرعان ما استل من جيبه زوجا من الأصفاد مربوطين بسلسلة فولاذية متينة، ثم ترك حصانه واقفا وأمسك بمعصم رينمارك.
قال البروفيسور وهو يلوي معصمه مفلتا إياه من قبضة الرجل: «أنا كندي. يجب ألا تصفدني.» «بئس صحبتك إذن. أنا شرطي من هذه البلدة، وإذا كنت كما تقول حقا، فلن تقاوم الاعتقال.» «سأذهب معك، ولكن يجب ألا تقيدني.» «أوه، حقا؟» وبحركة سريعة تنم عن تمرس طويل في التعامل مع المجرمين المقاومين، فتح الشرطي أحد مشبكي الأصفاد بحركة رشيقة ثم أغلقه بطقطقة حادة والتصاق محكم كنبات شائك على إحدى يدي رينمارك.
وهنا صار رينمارك شاحبا كالموتى، ولمعت عيناه ببريق خطر. سحب يده الحرة إلى الوراء قابضا إياها، مع أن المسدسين المشهرين الجاهزين للإطلاق كانا يدنوان منه أكثر فأكثر، ومع أن الشرطي كان يقبض بعزم شرس على يده المصفدة المقاومة.
صاح ييتس مانعا البروفيسور من لكم ممثل القانون، قائلا: «مهلا!». وصرخ قائلا للرجل الذي كان يمتطي ظهر الحصان: «لا تطلق النار، كل هذا مجرد خطأ بسيط سيتدارك بسرعة. أنتم ثلاثة رجال مسلحين وركاب، ونحن اثنان أعزلان ومترجلان. فلا داعي إلى استخدام أي سلاح. أصغ إلي يا رينمارك، أنت الآن أشد تمردا من أونيل نفسه. الفارق أنه لا يدين بأي ولاء لهذا الوطن، بعكسك أنت. ألا تحترم أشكال القانون والنظام؟ أنت أناركي بداخلك، رغم كل تظاهرك بعكس ذلك. كنت تغني «ليحم الرب الملكة!» في المكان الخطأ منذ فترة؛ لذا فلتفرح الآن لأنها صارت لديك، أو بالأحرى لأنك صرت لديها. والآن أيها الشرطي، أتريد عقد الطرف الآخر من هذا الشيء حول معصمي، أم لديك زوج آخر لي؟» «سآخذ معصمك إذا سمحت.» «حسنا، ها هو.» شمر ييتس كم معطفه ومد معصمه. فأغلق الصفد المتدلي حوله بسرعة. ثم امتطى الشرطي الحصان الصبور الذي كان واقفا ينتظره مراقبا إياه طوال الوقت بعين ذكية. وقف السجينان اللذان صفدا معا في وسط الطريق وقد أحاط بهما فارس من كل جانب، فيما كان الشرطي في المؤخرة، وهكذا ساروا جميعا، وكان البروفيسور مغتما بسبب هذه الإهانة التي لحقت بهما، فيما كان الصحفي مبتهجا كالطيور التي كانت مستيقظة تماما آنذاك. قرر الجنود الاستطلاعيون عدم مواصلة التقدم نحو قوات العدو، وفضلوا العودة إلى القوات الكندية بأسيريهم. ساروا على الطريق صامتين جميعا، عدا ييتس، الذي أحيا أجواء الصباح بغناء «جون براون».
فقال له الشرطي بفظاظة: «الزم الصمت.» «حسنا، سأصمت. ولكن أصغ إلي، سنمر بعد قليل بمنزل أحد أصدقائنا . نريد أن نذهب إليه ونحصل على شيء نأكله.» «لن تنالا شيئا تأكلانه إلى حين تسليمكما إلى الضباط المسئولين عن المتطوعين.» «وأين هم، إن كان لي أن أسأل؟» «لك أن تسأل، لكني لن أجيب.»
قال ييتس لرفيقه: «أصغ إلي يا رينمارك، أصعب ما في هذه الحادثة أننا سنضطر إلى المرور بمنزل بارتليت والاكتفاء بالتلذذ بذكرى المأكولات الطيبة التي دائما ما كانت السيدة بارتليت تسعد بإغداقها على عابري السبيل. أصف هذا الشعور بالقسوة الخالصة.»
عندما اقتربا من منزل بارتليت، لمحا الآنسة كيتي في الشرفة تظلل عينيها بكفيها من الشمس المشرقة، وتحدق بإمعان إلى الجمع القادم. وحالما أدركت هوية من في هذا الجمع، اختفت داخل المنزل مطلقة صيحة. فخرجت السيدة بارتليت فورا ومن خلفها ابنها وتبعهما الرجل العجوز نفسه بخطى أبطأ.
نزلوا كلهم إلى البوابة وانتظروا.
صفحه نامشخص