صاح قائلا حين خرج رفيقه من الورشة: «هل ستأتي يا ييتس؟».
قال ييتس وهو يدنو منه ويربت على الحصان: «أظنني سأبقى لأحضر الجلسة.» فلم يكن يريد اعتلاء الحصان والرحيل في وجود هذا التجمع المهم.
قال بارتليت الصغير: «حسنا، أظنني سأحضر الجلسة أيضا، ثم أستطيع أن أريك طريق العودة إلى المخيم.»
قال ييتس: «شكرا لك، سأكون في انتظارك.»
ركض بارتليت الشاب بحصانه بعيدا وسرعان ما اختفى عن الأنظار وسط سحابة من الغبار. وكان الآخرون قد رحلوا أيضا بخيولهم التي ألبست حدواتها، ولكن جاء عدة وافدين جدد، وازداد الجمع بدلا من أن ينقص. جلسوا حول ساحة الورشة الخارجية على السياج أو بعض جذوع الأشجار المقطوعة الملقاة على جانب الطريق.
كان القليل منهم يدخن فيما كان الكثيرون يمضغون التبغ. فقد كانت هذه طريقة ملائمة ومريحة لتناول التبغ، ولم تكن تحتاج إلى ثقاب، فضلا عن أنها أكثر أمانا للرجال الذين كانوا يضطرون إلى التردد على مخازن الحبوب القابلة للاشتعال.
أضرمت حلقة من النيران أمام الورشة، واستخدم لحاء شجر البلوط وقودا أساسيا لإضرامها. وكانت الإطارات الحديدية لعجلات العربات الخشبية مستترة وسط هذه الحلقة النارية. كان ماكدونالد وساندي منشغلين بتجهيز العدة وبدا وجهاهما أشد بشاعة في ضوء الشمس الساطع مما كانا في ظلام الورشة المعتم نسبيا، فأضفيا عليهما مظهر روحين شريرتين على وشك حضور مشهد تعويذة سحرية كانت الحلقة النارية هي علامته المرئية. استقر بالقرب من حلقة النار أربع دعامات متقاطعة مكونة من أربع عوارض خشبية مربعة المقطع، وكانت عليها عجلة بلا إطار حديدي في وضعية مسطحة، وكان محور العجلة موضوعا في الفتحة المربعة التي تشكلت وسط هذه الدعامات. ودائما ما كان المزارعون الكسالى يمتنعون عن ضبط إطارات عجلات عرباتهم إلى أن تفسد تماما وتصبح غير قابلة للتثبيت عليها. فكانوا يؤجلون اليوم المحتوم مرارا وتكرارا بنقع العجلات من الليل حتى صباح اليوم التالي في بركة صغيرة من المياه في متناولهم دون عناء، ولكن مع اقتراب حلول الطقس الأدفأ والأشد جفافا، تصبح هذه الحيلة غير كافية، حتى وإن دعمت بحشو أسافين خشبية بين الإطار والعجلة، ويصير من الضروري ضبط الإطارات استعدادا للعمل في فصل الصيف. فكثيرا ما كان الإطار الفاسد يتدحرج على الطريق العام الرملي، ويضطر المزارع على مضض إلى استعارة قضيب خشبي من أقرب سياج، ويضعه ليسند به محور العجلات، ثم يضع العجلة العارية وإطارها على العربة، ويقودها ببطء إلى أقرب ورشة حدادة وهي «تعرج كبطة جريحة»، بينما يترك القضيب وراءه أثرا أشبه بزحف ثعبان على الطريق الترابي.
كان الحداد قد قطع الإطار ولحمه في وقت سابق مقللا محيطه، وحين صار ساخنا كفاية، رفعه مع ساندي بملقطين في يدي كل منهما من حلقة النار المستعرة. ثم ضغطاه من حول حافة العجلة الملتهبة وطرقا عليها بالمطرقة، وسرعان ما سكبا المياه الباردة حول الموضع الأحمر الساخن من دلوين كانا في متناولهما، فأحاطت بهما غيوم من البخار، وانكمش الحديد بسرعة منضغطا بإحكام على الخشب حتى التحمت وصلتا اللحام معا بطقطقة. ولم يكن ممكنا أن تشهد هذه العملية أي تلكؤ أو تباطؤ؛ إذ كان ضروريا أن يتم العمل بسرعة، وإلا تكون النتيجة عجلة فاسدة. كان ماكدونالد، الذي ظل يبصق بالتناوب وسط النار والبخار، مستمتعا بهذا العمل الذي يتقنه. وحتى ساندي اضطر إلى العمل على قدم وساق بأقصى سرعة دون أن يحظى بثانية واحدة يستطيع أن يقول فيها إن كتلة التبغ التي بحوزته ملكه. ظل ماكدونالد يعمل بصخب وحماس مهتما بأدق التفاصيل، لكنه مع ذلك أنجز قدرا هائلا من العمل في وقت قصير إلى حد لا يصدق، وكان يسب ساندي طوال الوقت، لكن هذا الرجل النافع الكفء لم يرد الشتائم بمثلها قط، مكتفيا بغمزة إلى الحشد الحاضر حين سنحت له الفرصة، قائلا في سره: «العجوز في حال ممتازة اليوم.»
وهكذا أمتع كل واحد نفسه: ماكدونالد؛ لأنه كان البطل الرئيسي في مهرجان صاخب للعمل؛ وساندي؛ لأن المرء يستطيع أن يمضغ التبغ طوال الوقت مهما كانت صعوبة عمله؛ وحشد الحاضرين؛ لأن مشهد النار والمياه والبخار كان جميلا ولم يكن عليهم فعل أي شيء سوى الجلوس حوله والمشاهدة. غربت الشمس رويدا رويدا بينما غادر المتفرجون واحدا تلو الآخر لأداء أعمالهم المنزلية والاستعداد للجلسة المسائية. وذهب ييتس مع باري العصا إلى بيته بدعوة منه، واستمتع بوجبته المسائية أيما استمتاع.
الفصل الثاني عشر
صفحه نامشخص