قال النادل: «هذا هو بالضبط. إنه أشرس شخص نزق في البلدة. أصغ إلي، دعني أسدي إليك نصيحة بسيطة. إذ طرح موضوع عام 1812 - أي الحرب كما تعلم - فمن الأفضل أن تقر بأننا هزمنا هزيمة نكراء؛ هذا إن كنت تريد الانسجام مع هيرام. فهو يكره الأمريكيين كراهية السم.»
سأله ييتس الذي كان أدرى بالموضوعات الحالية من تاريخ الماضي: «وهل هزمنا هزيمة نكراء في عام 1812؟». «لا أعرف. هيرام يقول ذلك. أخبرته ذات مرة بأننا أخذنا ما أردناه من إنجلترا القديمة، فكاد يجرجرني نحوه من فوق منضدة الحانة. لذا أعطيك هذا التحذير، إن أردت الانسجام معه.» «شكرا لك. سأتذكر ذلك. إلى اللقاء.»
تعطي هذه الملاحظة الودودة التي ذكرها نادل الحانة مفتاحا لحل لغز نجاح ييتس في العمل الصحفي في نيويورك. فقد كان يستطيع معرفة الأخبار حين لا يقدر أي رجل آخر على ذلك. وبقدر ما كان صفيقا وسطحيا بلا شك، لكنه كان يستطيع بطريقة ما أن يدخل أعماق كل صنوف الرجال وينال ثقتهم بطريقة جعلتهم يعطونه معلومات عن أي شيء يحدث لمجرد أنهم يحبونه، وهكذا كثيرا ما نال ييتس مساعدة قيمة من معارفه لم يستطع المراسلون الآخرون نيلها بالمال.
وجد النيويوركي صديقه البروفيسور جالسا على دكة بجوار إدارة الجمارك، يتسامر مع الضابط ويحدق إلى النهر الأزرق العريض السريع الجريان أمامهما.
قال ييتس: «لدي رجل، سيأخذنا إلى البرية في غضون ساعة تقريبا. أعتقد أننا سنستكشف البلدة. لا أظن أن أحدا سيهرب بالخيمة ريثما نعود.»
قال الضابط: «سأتولى ذلك الأمر.» فشكره الصديقان وراحا يتمشيان بخطوات متمهلة في الشارع. تأخرا قليلا في العودة، وحين وصلا إلى الحانة، وجدا بارتليت على وشك العودة بالعربة إلى بيته. وافق بفظاظة على أخذهما في طريقه، شريطة ألا يؤخراه أكثر من خمس دقائق في تحميل العربة بمعداتهما. وضعت الخيمة ومتعلقاتها بسرعة على عربة التبن، ثم قاد بارتليت العربة إلى الحانة وانتظر دون أن يقول شيئا، مع أنه كان متعجلا قبل بضع لحظات. لم يرغب ييتس في سؤاله عن سبب الانتظار؛ لذا جلس الثلاثة هناك في صمت تام. وبعد بعض الوقت، سأله ييتس بكل ما لديه من لطف: «هل تنتظر أحدا يا سيد بارتليت؟»
أجاب السائق بنبرة فظة غليظة: «نعم، أنتظر أن تدخل وتحضر هذه الجرة. فلا أظن أنك ملأتها لتتركها على منضدة الحانة.»
صاح ييتس وهو يهب واقفا: «يا إلهي! لقد نسيتها تماما، ما يبين التأثير الاستثنائي الذي تركه هذا البلد علي بالفعل.» عبس البروفيسور، لكن ييتس خرج من الحانة مبتهجا وهو حاملا الجرة في يده، وانطلق بارتليت بحصانيه. خرجوا من القرية وصعدوا تلة منخفضة، سائرين حوالي ميل أو اثنين عبر طريق مستقيم رملي بعض الشيء. ثم انعطفوا إلى طريق ريدج رود، كما أسماه بارتليت ردا على سؤال من البروفيسور، ولم يكن ثمة داع إلى السؤال عن سبب تسميته بذاك الاسم. فقد كان طريقا رئيسيا جيدا، لكنه كان صخريا بعض الشيء، حتى إن بعض أجزاء سطحه كانت صخرية تماما. لم يكن الطريق يعترف إطلاقا بتعريف إقليدس للخط المستقيم، وكان ذلك تغييرا مستحسنا بعض الشيء عن الطرق الأمريكية العادية. أحيانا كانوا يمرون عبر طرق محاطة بأشجار كثيفة الغصون كان من الواضح أنها آثار باقية من الغابة التي كانت تغطي المنطقة كلها في الماضي. وكان الطريق ممتدا على طول قمة سلسلة التلال الصخرية الناتئة، وكثيرا ما يرون على كلا جانبيه مناظر شاسعة خلابة لمناطق ريفية منخفضة. وعلى طول الطريق، كانت تقع بيوت ريفية مريحة، وبدا جليا أن مجتمعا مزدهرا قد تنامى على طول التلال.
لم يتكلم بارتليت سوى مرة واحدة، وكان حديثه موجها للبروفيسور الذي كان جالسا بجواره. «أأنت كندي؟» «نعم.» «ومن أين هو؟»
أجاب البروفيسور البريء قائلا: «صديقي من نيويورك.»
صفحه نامشخص