استهل الكلام قائلا: «يجب أن أرحل غدا.»
ردت كيتي بصوت هامس: «أنا حزينة جدا.» «آه، لا يضاهي حزنك نصف حزني يا كيتي. لكني أنوي العودة، إذا سمحت لي بذلك. كيتي، هل تتذكرين الحوار الذي دار بيننا في المطبخ، حين كنا ... حين قوطعنا، وحين اضطررت إلى الرحيل مع صديقنا ستوليكر؟»
أشارت كيتي إلى أنها تتذكر ذلك. «حسنا، تعرفين بالطبع ما أردت قوله له آنذاك. وبالطبع تعرفين ما أريد قوله لك الآن.»
ولكن بدا أنه كان واهما بشأن ذلك؛ لأن كيتي لم يكن لديها أدنى فكرة، وأرادت دخول البيت لأن الوقت كان متأخرا ولأن أمها ستلاحظ غيابها. «كيتي، يا عزيزتي المخادعة الصغيرة، تعرفين أني أحبك. لا بد أنك تعرفين أني أهيم بك حبا منذ أول يوم رأيتك فيه، حين ضحكت علي. كيتي، أود أن تتزوجيني وتجعلين مني إنسانا ذا قيمة، إذا كان ذلك ممكنا. فأنا رجل تافه بلا قيمة، ولست جديرا على الإطلاق بفتاة صغيرة محبوبة مثلك، ولكن يا كيتي، إذا قلت «نعم» فقط، فسأحاول، بل وسأبذل كل ما بوسعي، لأكون إنسانا أفضل مما كنت عليه طوال حياتي.»
لم تقل كيتي «نعم»، لكنها وضعت يدها الطليقة التي كانت دافئة وناعمة على يده، وكان ييتس رجلا يعرف جيدا ما ينبغي فعله تاليا في مثل هذه المواقف. قد يرى الأشخاص العمليون أن ذلك شيء مذهل؛ لأنهم يعتقدون أن لا داعي إلى إطالة اللقاء ما دام الغرض المرجو منه قد تحقق، ومع ذلك بقي الاثنان هناك، وروى لها الكثير عن حياته الماضية، وعن مدى ما كان عليه من وحدة وحقارة خلالها لأنه كان بلا أنيس يعتني به، فاغرورقت عيناها الجميلتان بالدموع. شعرت بالفخر والسعادة لاعتقادها بأنها فازت بأول حب عظيم في حياة رجل موهوب بارع، وتمنت أن تسعده، وبقدر يعوض فراغه العاطفي فيما مضى من حياته. ورجت من أعماق قلبها أن يظل مغرما بها دائما كما كان آنذاك، وعقدت العزم على أن تكون جديرة به إن استطاعت.
ومن الغريب القول إن رغباتها قد تحققت وزيادة، وإن قلة من الزوجات يعشن في سعادة أو فخر بأزواجهن كسعادة كيتي ييتس بزوجها أو فخرها به. وحتى المرأة الوحيدة التي ربما كان بإمكانها أن تعكر صفو حياة كيتي، اكتفت بتقبيلها قبلة حانية حين أخبرتها بالبهجة العظيمة التي حلت بها، والقول إنها كانت على يقين من أن كيتي ستعيش سعيدة معه، وهكذا قالت مارجريت للمرة الثانية شيئا عكس شعورها، لكنها كانت مخطئة في مخاوفها لأول مرة.
سار ييتس إلى الخيمة مفعما بالمجد، تاركا رغيفه خلفه على عمود البوابة. لا يدرك سوى قلة من الناس أن سعادة المرء حين يحب تكاد تضاهي سعادته حين يحب. والفعل «يحب» يقترن بأشياء كثيرة. لم تكن الأرض التي يدوسها تشبه أي أرض سار عليها من قبل. ولم يكن سحر ليل يونيو بهذا السحر من قبل. سار بخطى واسعة فيما كان رأسه يحلق بأفكاره وسط السحب، واعتنت به العناية الإلهية التي ترعى السكارى، وضمنت أن الحبيبة المقبولة لم تتأذ. قفز من فوق السياج دون أن يستند إليه بيده حتى، وبعدئذ سرعان ما هبط إلى أرض الواقع مجددا برؤية منظر رجل يجلس دافنا رأسه بين يديه بجوار نيران أوشكت على الانطفاء.
الفصل الثالث والعشرون
وقف ييتس لحظة متأملا حالة صديقه المحبطة.
صاح قائلا: «أيا أيها الرجل العجوز! لم أر في حياتي من هو أشبه بالمتشائم الذي يشعر باقتراب أجله مثلك. ما الخطب؟»
صفحه نامشخص