چهره دیگر مسیح
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
ژانرها
وبما أن دراستنا هنا تقتصر على الغنوصية المسيحية، فإننا سوف نتجاوز المانوية إلى حركتين مهمتين في تاريخ الغنوصية المسيحية، هما البوجوميل والكاثار اللتان بقيتا تصارعان من أجل البقاء بعد انتصار الكنيسة القويمة.
انتشر في أرمينيا منذ وقت مبكر من العصر المسيحي شكل من المسيحية غير القويمة، على يد مبشر قدم من أورشليم يدعى عاديا. وقد بشر عاديا بعقيدة تقول إن المسيح ليس ابن الله، بل هو كائن بشري تبناه الله وجعل منه ابنا له، ثم تطور ضمن هذه العقيدة تنويع آخر، يقول بوجود إلهين أعليين لا إله واحد، الأول هو الأب السماوي الأعلى والثاني هو الديميرج خالق هذا العالم، وعندما صارت المسيحية القويمة دينا رسميا للإمبراطورية الرومانية، تم تصنيف هذه المسيحية الأرمينية في زمرة الهرطقات الكبرى، ولكنها بقيت في منأى عن بطش السلطات الكهنوتية في روما، وأخذت تجتذب إليها جماعات غنوصية تم تهجيرها من مواطنها الأصلية، فأقامت في أرمينيا وشكلت مع أتباع عقيدة التبني مذهبا غنوصيا عرف بالمذهب البوليسي، نسبة إلى بولس الرسول، وقد عرف هؤلاء البولسيون بنزعتهم الحربية وميلهم المستميت إلى الدفاع عن عقيدتهم الدينية، وعندما أفلحت السلطات البيزنطية أخيرا في الضغط على البولسيين وتهجيرهم، توجهت جماعات منهم غربا واستقرت في مكدونيا وبلغاريا والبلقان، وهناك تلاقحت أفكارهم مع أفكار جماعات محلية غير أرثوذكسية، ونجم عن ذلك مذهب قوي آخر في سياق القرن العاشر الميلادي، عرف بمذهب البوجوميل نسبة إلى كاهن مسيحي اسمه بوجوميلوس، وقد قام البوجوميل بهجوم معاكس سياسي وعقائدي على بيزنطة، وتمتعوا بجاذبية خاصة بين الجماهير بسبب نقدهم الشديد لسلوك الأباطرة البيزنطيين، ولفساد الكنيسة البيزنطية، فكان لهم جماعات سرية أو علنية في أقطار عديدة من الإمبراطورية البيزنطية، ولكن الاضطهادات الدموية التي تعرضوا لها من قبل الكنيسة الرسمية والسلطات البيزنطية، قد أدت إلى تشتيتهم تدريجيا خلال القرن الثاني عشر، ومع ذلك فإن كنيسة غنوصية قد بقيت قائمة في البوسنة حتى القرن الخامس عشر، وتحول من بقي من أتباعها بعد ذلك إلى الإسلام، وعلى الرغم من ذلك فقد تمتعت الكتابات البوجوميلية التي دونت باللغة السلافية القديمة بانتشار واسع، وأثرت في الأدب الشعبي السلافي، وحتى وقت متقدم من العصور الحديثة كان الشحاذون على أبواب الكنائس في روسيا ينشدون أغاني احتفظت بطابعها البوجوميلي القديم.
2
اعتبر البوجوميل كتاب العهد القديم من صنع الشيطان، ولم يتبنوا من أناجيل العهد الجديد سوى إنجيل يوحنا الذي رأوا فيه إبانة عن الله الحق، وهم يقولون بثنوية معتدلة لا تجعل من الشيطان إلها مستقلا، بل تجعله ابنا لله خرج عن طاعته وعصاه، فهم يؤمنون بإله واحد أعلى هو الإله المسيحي الطيب صانع كل ما هو خير وحسن، ويعتقدون بأن الإله الطيب قد أنجب ابنه البكر لوسيفر، الذي يعني اسمه حامل الضياء نظرا لشدة بريقه ولمعانه، إلا أن لوسيفر هذا عصا أباه، وسقط من المستوى الروحاني الأعلى بمحض إرادته، وصار اسمه ساتانا-إيل، أي الشيطان، وهم في تبنيهم لقصة التكوين التوراتية، فإنهم يعزونها إلى الشيطان لا إلى الله، فقد خلق الشيطان (إله العهد القديم) السموات والأرض، انطلاقا من المادة القديمة المتمثلة بالمياه الأولى، كما خلق الإنسان، ولكن روح الإنسان، كما هو الحال في بقية النظم الغنوصية، قد استمدت من روح الله؛ ولذلك فقد عمل الله على إنقاذ أرواح البشر عن طريق «الكلمة»، التي تجسدت في الشكل الشبحي ليسوع المسيح على الأرض، ومن الناحية التنظيمية، انقسم البوجوميل إلى ثلاث شرائح، على الطريقة المانوية، هي شريحة الكاملين المهيئين للانعتاق من دورة تناسخ الأرواح في هذا العالم، تليها شريحة السماعين المؤهلة للتحول إلى شريحة الكاملين في التناسخ المقبل، فشريحة عامة المؤمنين، وكان الالتزام بالأخلاقيات والسلوكيات البوجوميلية يختلف من شريحة لأخرى، فكانت شريحة الكاملين بمثابة النموذج الأعلى في الالتزام، فلم يكن أفرادها يتناولون الخمر أو اللحم، وعاشوا حياة زهد وتنسك تحكمها قواعد أخلاقية وسلوكية صارمة.
لقد وصف أحد آباء الكنيسة في القرن الثاني الميلادي الغنوصية بأنها مثل التنين الذي إذا قطعت له رأسا نبت له رأس آخر محله، وها هو تاريخ الغنوصية يثبت صحة ذلك الوصف، فبعد القضاء على البوجوميل في البلقان وأوروبا الوسطى، انتشرت أفكارهم إلى فرنسا عن طريق مناطق إيطاليا الشمالية، وتجلت في معتقد غنوصي جديد هو المعتقد الكاثاري.
من بين الفرق الغنوصية التي عبرت المحن وعاشت حتى القرون الوسطى، كانت الفرقة الكاثارية أكثرها نجاحا، وأشدها خطورة على الكنيسة الرسمية من أي هرطقة أخرى، تواجد الكاثار (أو الكاثاريون) بشكل خاص في مقاطعة
Lanuedoc
في الجنوب الفرنسي، فيما بين مدينة بوردو شمالا وسفوح جبال البيرينيه على حدود إسبانيا جنوبا، لم تكن هذه المقاطعة في مطلع القرن الثاني عشر جزءا من فرنسا، بل منطقة مستقلة بلغتها وثقافتها ونظامها السياسي، يحكمها عدد من الأسر النبيلة برئاسة كونت تولوز وعائلة ترانسفال المتنفذة، ضمن هذه المساحة الواسعة التي تضم عشرات المدن، من بينها ألبين ومونبيلييه وتولوز ومرسيليا، نشأت ثقافة كاثارية متميزة كانت الأكثر تطورا في الغرب المسيحي بعد بيزنطة، فقد انتشر فيها التعليم ونشطت التيارات الفكرية والفلسفية المختلفة، وعلا شأن الشعر والشعراء وتعلم الطلاب اللغات اليونانية واللاتينية والعربية، وكان النبلاء يرعون هذه النشاطات ويشاركون فيها، في الوقت الذي لم يكن فيه نبلاء الشمال قادرين على كتابة أسمائهم، ونظرا لقرب المنطقة من مركز الإشعاع الحضاري في الأندلس، فقد وردتها تأثيرات عربية عن طريق الموانئ البحرية وعبر جبال البيرينيه، دعيت هذه الغنوصية المسيحية المتأخرة بالكاثارية، نسبة إلى كلمة كاثاري، التي تعني نقيا أو طهورا، كما دعيت بالألبينية نسبة إلى مدينة ألبين
Albin
أهم مراكزها في الجنوب الفرنسي.
صفحه نامشخص