چهره دیگر مسیح
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
ژانرها
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
مقدمة طبعة الأعمال غير الكاملة
فاتحة
1 - في الأناجيل الأربعة ومؤلفيها ورسالتها
2 - الغنوصية ونشأة المسيحية
3 - اليهودية في فلسطين ومسألة الجليل
4 - المداخلات اليهودية في العهد الجديد وموقف يسوع من اليهود واليهودية
5 - استطراد حول الغنوصية
6 - الانتفاضة الأخيرة للغنوصية البوجوميل والكاثار
7 - أثر الغنوصية في الفكر الحديث
صفحه نامشخص
8 - نموذج من الأدبيات الغنوصية
ملحق: الإنجيل بحسب مرقس
مراجع البحث
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
مقدمة طبعة الأعمال غير الكاملة
فاتحة
1 - في الأناجيل الأربعة ومؤلفيها ورسالتها
2 - الغنوصية ونشأة المسيحية
3 - اليهودية في فلسطين ومسألة الجليل
4 - المداخلات اليهودية في العهد الجديد وموقف يسوع من اليهود واليهودية
صفحه نامشخص
5 - استطراد حول الغنوصية
6 - الانتفاضة الأخيرة للغنوصية البوجوميل والكاثار
7 - أثر الغنوصية في الفكر الحديث
8 - نموذج من الأدبيات الغنوصية
ملحق: الإنجيل بحسب مرقس
مراجع البحث
الوجه الآخر للمسيح
الوجه الآخر للمسيح
موقف يسوع من اليهودية - مقدمة في الغنوصية
تأليف
صفحه نامشخص
فراس السواح
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
في عام 1970م بدأت الأفكار العامة لكتابي الأول «مغامرة العقل الأولى» تتشكل في ذهني،
وعندما بذلت المحاولات الأولى لكتابتها، شعرت بحاجة إلى مراجع أكثر من المراجع القليلة التي في حوزتي،
فرحت أبحث في منافذ بيع الكتب، وفي المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة السورية، وفي مكتبة جامعة
دمشق؛ عن مراجع باللغة الإنجليزية فلم أجد ضالتي، فتأكدت لي استحالة إتمام المشروع وتوقفت عن
الكتابة.
وفي عام 1971م قمت برحلة طويلة إلى أوروبا والولايات المتحدة دامت ستة أشهر، رحت
خلالها أشتري ما يلزمني من مراجع وأشحنها بالبريد البحري إلى سوريا، وعندما عدت شرعت في الكتابة
وأنجزت الكتاب في نحو سنة ونصف. بعد ذلك رحت أستعين بأصدقائي المقيمين في الخارج لإمدادي بما
صفحه نامشخص
يلزمني من مراجع، وكانت مهمة شاقة وطويلة تستنفد المال والجهد، وكان عمل الباحث في تلك الأيام وفي
مثل تلك الظروف عملا بطوليا، إن لم يكن مهمة مستحيلة.
بعد ذلك ظهر الحاسوب الشخصي في أوائل الثمانينيات، ثم تأسست شبكة الإنترنت التي لعبت
دورا مهما في وضع الثقافة في متناول الجميع، ووفرت للباحثين ما يلزمهم من مراجع من خلال الكتب
الإلكترونية المجانية أو المدفوعة الثمن، فأزاحت هم تأمين المراجع عن الكاتب الذي يعيش في الدول النامية،
ووصلته بالثقافة العالمية من خلال كبسة زر على حاسوبه الشخصي.
لقد صار حاسوبي اليوم قطعة من يدي لا أقدر على الكتابة من دونه، مع إبقائي استخدام القلم
في الكتابة، لا برنامج الوورد. ولرد الجميل للإنترنت، أردت لطبعة الأعمال الكاملة لمؤلفاتي التي صدرت في
20 مجلدا، أن توضع على الشبكة تحت تصرف عامة القراء والباحثين، واخترت «مؤسسة هنداوي» لحمل
هذه المهمة؛ لأنها مؤسسة رائدة في النشر الإلكتروني، سواء من جهة جودة الإخراج أو من حيث المواضيع
صفحه نامشخص
المتنوعة التي تثري الثقافة العربية.
جزيل الشكر ل «مؤسسة هنداوي»، وقراءة ممتعة أرجوها للجميع!
مقدمة طبعة الأعمال غير الكاملة
عندما وضعت أمامي على الطاولة في «دار التكوين» كومة مؤلفاتي الاثنين والعشرين ومخطوط كتاب لم يطبع بعد، لنبحث في إجراءات إصدارها في طبعة جديدة عن الدار تحت عنوان «الأعمال الكاملة»، كنت وأنا أتأملها كمن ينظر إلى حصاد العمر. أربعون عاما تفصل بين كتابي الأول «مغامرة العقل الأولى» والكتاب الجديد «الله والكون والإنسان»، ومشروع تكامل تدريجيا دون خطة مسبقة في ثلاث وعشرين مغامرة هي مشروعي المعرفي الخاص الذي أحببت أن أشرك به قرائي. وفي كل مغامرة كنت كمن يرتاد أرضا بكرا غير مطروقة ويكتشف مجاهلها، وتقودني نهاية كل مغامرة إلى بداية أخرى على طريقة سندباد الليالي العربية. ها هو طرف كتاب «مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة» يبدو لي في أسفل الكومة. أسحبه وأتأمله، إنه في غلاف طبعته الحادية عشرة الصادرة عام 1988، التي عاد ناشرها إلى غلاف الطبعة الأولى الصادرة عام 1976، الذي صممه الصديق الفنان «إحسان عنتابي»، ولكن ألوانه بهتت حتى بدت وكأنها بلون واحد لعدم عناية الناشر بتجديد بلاكاتها المتآكلة من تعدد الطبعات التي صدرت منذ ذلك الوقت. وفي حالة التأمل هذه، يخطر لي أن هذا الكتاب قد رسم مسار حياتي ووضعني على سكة ذات اتجاه واحد؛ فقد ولد نتيجة ولع شخصي بتاريخ الشرق القديم وثقافته، وانكباب على دراسة ما أنتجته هذه الثقافة من معتقدات وأساطير وآداب، في زمن لم تكن فيه هذه الأمور موضع اهتمام عام، ولكني لم أكن أخطط لأن أغدو متخصصا في هذا المجال، ولم أنظر إلى نفسي إلا كهاو عاكف بجد على هوايته. إلا أن النجاح المدوي للكتاب - الذي نفدت طبعته الأولى الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق في ستة أشهر، ثم تتابعت طبعاته في بيروت - أشعرني بالمسئولية؛ لأن القراء كانوا يتوقعون مني عملا آخر ويتلهفون إليه.
إن النجاح الكبير الذي يلقاه الكتاب الأول للمؤلف يضعه في ورطة ويفرض عليه التزامات لا فكاك منها، فهو إما أن ينتقل بعده إلى نجاح أكبر، أو يسقط ويئول إلى النسيان عندما لا يتجاوز نفسه في الكتاب الثاني. وقد كنت واعيا لهذه الورطة، ومدركا لأبعادها، فلم أتعجل في العودة إلى الكتابة، وإنما تابعت مسيرتي المعرفية التي صارت وقفا على التاريخ العام والميثولوجيا وتاريخ الأديان. وعاما بعد عام، كان كتاب «لغز عشتار» يتكامل في ذهني وأعد له كل عدة ممكنة خلال ثمانية أعوام، ثم كتبته في عامين ودفعته إلى المطبعة فصدر عام 1986؛ أي بعد مرور عشر سنوات على صدور الكتاب الأول، وكان نجاحا مدويا آخر فاق النجاح الأول، فقد نفدت طبعته الأولى، 2000 نسخة، بعد أقل من ستة أشهر، وصدرت الطبعة الثانية قبل نهاية العام، ثم تتالت الطبعات.
كان العمل الدءوب خلال السنوات العشر الفاصلة بين الكتابين، الذي كان «لغز عشتار» من نواتجه، قد نقلني من طور الهواية إلى طور التخصص، فتفرغت للكتابة بشكل كامل، ولم أفعل شيئا آخر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة التي أنتجت خلالها بقية أفراد أسرة الأعمال الكاملة، إلى أن دعتني جامعة بكين للدراسات الأجنبية في صيف عام 2012 للعمل محاضرا فيها، وعهدت إلي بتدريس مادة تاريخ العرب لطلاب الليسانس، ومادة تاريخ أديان الشرق الأوسط لطلاب الدراسات العليا، وهناك أنجزت كتابي الأخير «الله والكون والإنسان». على أنني أفضل أن أدعو هذه الطبعة بالأعمال غير الكاملة، وذلك على طريقة الزميلة «غادة السمان» التي فعلت ذلك من قبلي؛ لأن هذه المجموعة مرشحة دوما لاستقبال أعضاء جدد ما زالوا الآن في طي الغيب.
وعلى الرغم من أنني كنت أخاطب العقل العربي، فإني فعلت ذلك بأدوات البحث الغربي ومناهجه، ولم أكن حريصا على إضافة الجديد إلى مساحة البحث في الثقافة العربية، قدر حرصي على الإضافة إلى مساحة البحث على المستوى العالمي، وهذا ما ساعدني على اختراق حلقة البحث الأكاديمي الغربي المغلقة، فدعاني الباحث الأميركي الكبير «توماس تومبسون» المتخصص في تاريخ فلسطين القديم والدراسات التوراتية إلى المشاركة في كتاب من تحريره صدر عام 2003 عن دار
T & T Clark
في بريطانيا تحت عنوان:
Jerusalem in History and Tradition
صفحه نامشخص
ونشرت فيه فصلا بعنوان:
Jerusalem During the Age of Judah Kingdom
كنت قد تعرفت على «تومبسون» في ندوة دولية عن تاريخ القدس في العاصمة الأردنية عمان عام 2001، شاركت فيها إلى جانب عدد من الباحثين الغربيين في التاريخ وعلم الآثار، وربطت بيننا صداقة متينة استمرت بعد ذلك من خلال المراسلات، إلى أن جمعتنا مرة ثانية ندوة دولية أخرى انعقدت في دمشق بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، وكانت لنا حوارات طويلة حول تاريخ أورشليم القدس وما يدعى بتاريخ بني إسرائيل، واختلفنا في مسائل عديدة أثارها «تومبسون» في ورقة عمله التي قدمها إلى الندوة. وكان الباحث البريطاني الكبير «كيث وايتلام» قد دعا كلينا إلى المشاركة في كتاب من تحريره بعنوان:
The Politics of Israel’s Past
فاتفقنا على أن نثير هذه الاختلافات في دراستينا اللتين ستنشران في ذلك الكتاب، وهكذا كان. فقد صدر الكتاب الذي احتوى على دراسات الباحثين من أوروبا وأميركا عام 2013 عن جامعة شيفلد ببريطانيا، وفيه دراسة لي عن نشوء الديانة اليهودية بعنوان:
The Faithful Remnent and the Invention of Religious Identity
خصصت آخرها لمناقشة أفكار «تومبسون»، ول «تومبسون» دراستان الأولى بعنوان:
What We Do And Do Not Know About Pre-Hellenistic Al-Quds
والثانية خصصها للرد علي بعنوان:
The Literary Trope of Return - A Reply to Firas Sawah
صفحه نامشخص
أي: العودة من السبي كمجاز أدبي - رد على فراس السواح.
الكتاب يشبه الكائن الحي في دورة حياته؛ فهو يولد ويعيش مدة ثم يختفي ولا تجده بعد ذلك إلا في المكتبات العامة، ولكن بعضها يقاوم الزمن وقد يتحول إلى كلاسيكيات لا تخرج من دورة التداول. وقد أطال القراء في عمر مؤلفاتي حتى الآن، ولم يختف أحدها من رفوف باعة الكتب، أما تحول بعضها إلى كلاسيكيات فأمر في حكم الغيب.
فإلى قرائي في كل مكان، أهدي هذه الأعمال غير الكاملة مع محبتي وعرفاني.
فراس السواح
بكين، كانون الثاني (يناير) 2016
فاتحة
مولع بيسوع
قرأت الإنجيل في سن الحداثة، وفتنتني شخصية يسوع التي رأيت فيها نموذجا للثوري الذي جاء ليعلن نهاية عالم قديم، وتأسيس عالم جديد يتحقق المثالي فيه باعتباره واقعا، واليوتوبيا باعتبارها حالة يمكن أن نحياها، قال يسوع: «روح الرب نازل علي؛ لأنه مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء، وأبلغ المأسورين إطلاق سبيلهم، والعميان عودة البصر إليهم، وأفرج عن المظلومين.» (لوقا 4: 18)، وقال: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والمثقلين بالأحمال، وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني؛ لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم.» (متى 11: 28، 29)، لقد كانت رسالة يسوع موجهة بالدرجة الأولى إلى الشرائح الاجتماعية المظلومة والمضطهدة، إلى المتعبين والمعذبين، وكان راعية للحرية والعدل والمساواة، ولم يلق منه الأغنياء أي تعاطف، بل لقد طالبهم بالتخلي عن ممتلكاتهم وتوزيعها على المحتاجين، قال يسوع لغني أراد الانضمام إلى جماعته: «إذا أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع ما تملكه وتصدق به على الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني. فلما سمع الشاب هذا الكلام مضى حزينا لأنه كان ذا مال كثير، فقال يسوع لتلاميذه: يعسر على الغني أن يدخل ملكوت السموات، وأقول لكم، لأن يدخل الجمل في سم الإبرة أيسر من أن يدخل الغني في ملكوت السموات.» (متى 19: 21-24)، وقال: «الويل لكم أيها الأغنياء فقد نلتم عزاءكم، الويل لكم أيها الشباع فسوف تجوعون، الويل لكم أيها الضاحكون الآن فسوف تحزنون وتبكون.» (لوقا 6: 24-25).
انطلاقا من هذا الالتزام الاجتماعي، فقد كانت شرائح المجتمع الدنيا هي التي استحوذت على اهتمامه، قال يسوع: «جاء يوحنا المعمدان لا يأكل ولا يشرب، فقالوا إن به مسا من الشيطان، جاء ابن الإنسان (= يسوع) يأكل ويشرب، فقالوا هو ذا رجل أكول سكير صديق للعشارين والخاطئين.» (متى 11: 18-19)، «وكان تلاميذ كثيرون يتبعونه، فلما رأى بعض الكتبة من الفريسيين أنه يؤاكل الخاطئين والعشارين، قالوا لتلاميذه، لماذا يؤاكل الخاطئين والعشارين؟ فسمع يسوع كلامهم، فقال لهم : ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب بل المرضى، ما جئت لأدعو الأبرار بل الخاطئين.» (مرقس 2: 16-17)، وقال لهم أيضا: «إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله، جاءكم يوحنا المعمدان سالكا طريق البر فلم تؤمنوا به، وآمن به العشارون والزواني، وأنتم رأيتم ذلك فلم تندموا وتؤمنوا به ولو بعد حين.» (متى 21: 31-32).
من هنا جاءت سخرية يسوع من السلطة، وحضه على إلغاء المراتبية الاجتماعية: «ووقع جدال بينهم في من يعد أكبرهم، فقال لهم: إن ملوك الأمم يسودونها، وأصحاب السلطة فيها يريدون أن يدعوا محسنين، أما أنتم فليس الأمر فيكم كذلك، بل ليكن الأكبر فيكم كالأصغر، والمترئس كالخادم.» (لوقا 22: 24-26)، وعندما كان يتناول العشاء الأخير مع تلامذته: «قام عن العشاء فخلع رداءه، وأخذ منشفة فائتزر بها، ثم صب ماء في مطهرة وشرع يغسل أقدام تلاميذه ... فلما غسل أقدامهم ولبس رداءه وعاد إلى المائدة قال لهم: أتفهمون ما صنعت إليكم؟ أنتم تدعونني معلما وسيدا، وأصبتم فيما تقولون، فهكذا أنا، وإذا كنت أنا المعلم والسيد قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض، فقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا ما صنعت إليكم.» (يوحنا 13: 5-15).
صفحه نامشخص
ولقد أدان يسوع سعي البشر المحموم إلى مراكمة الثروات والإقبال على الاستهلاك: «فلا تهتموا فتقولوا ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس؟ فهذا كله يطلبه الوثنيون، وأبوكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون هذا كله، فاطلبوا الملكوت وبره قبل كل شيء، تزادوا هذا كله.» (متى 6: 31-33). هذا الكلام طبقه يسوع على نفسه قبل أن يدعو الآخرين إليه، فترك أسرته وبيته في سبيل دعوته، وراح يتجول في القرى والبلدات غير آبه بما يأكل أو يشرب أو يلبس: «وبينما هم سائرون، قال له رجل في الطريق: أتبعك حيث تمضي، فقال له يسوع: للثعالب أوجرة، ولطير السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له ما يضع رأسه عليه.» (لوقا 9: 57-58)، وعلى من يتبعه أن يحتذي حذوه، ويقطع كل روابطه بالعالم القديم، ويتخلى عن كل ما يشده إليه: «وقال لآخر: اتبعني، فقال: سيدي ائذن لي أن أمضي أولا فأدفن أبي، فقال له: دع الموتى يدفنون موتاهم. وقال له آخر: أتبعك سيدي، ولكن ائذن لي أولا أن أودع أهل بيتي، فقال له يسوع: ما من أحد يضع يده على المحراث ثم يلتفت إلى الوراء، يصلح لملكوت الله.» (لوقا 9: 59-62)، وعندما أرسل اثنين وسبعين تلميذا للتبشير في الأمصار قال لهم: «اذهبوا فها أنا ذا أرسلكم كالحملان بين الذئاب، لا تحملوا صرة ولا مزودا ولا نعلين.» (لوقا 10: 3-4). وتطبيقا لهذه التعاليم كانت حلقة التلاميذ المحيطة بيسوع عبارة عن مشاعة صغيرة لا يملك أحد فيها شيئا لنفسه، وكان لها أمين صندوق يحتفظ بالمال القليل المتوفر وينفق منه على احتياجاتها.
مثل هذا الانقلاب على القيم القديمة لن يحصل بيسر وسهولة، ولا بد من الصراع بكل عنف وشراسة؛ لأن حركة يسوع هي حركة راديكالية من شأنها تمزيق المجتمع القديم تمهيدا لإحلال المجتمع الجديد، قال يسوع: «لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاما بل سيفا، جئت لأفرق بين المرء وأبيه، والبنت وأمها، والكنة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته.» (متى 10: 34-36)، والعالم القديم يجب أن يحترق ليخرج من رماده العالم الجديد: «جئت لألقي على الأرض نارا، وكم أرجو أن تكون قد اشتعلت، أوتظنون أني جئت لألقي السلام على الأرض؟ أقول لكم لا، بل الخلاف، فمنذ اليوم يكون في بيت واحد خمسة، فيخالف ثلاثة منهم اثنين، واثنان يخالفان ثلاثة.» (لوقا 12: 49-52)، من هنا لا يكفي أن يقطع أتباع يسوع كل رابطة تشدهم إلى المجتمع المتآكل الذي يهدفون إلى تغييره، بل أن يلبسوا الأكفان وهم على قيد الحياة استعدادا للموت في أي لحظة: «من لم يحمل صليبه ويتبعني ليس جديرا بي، من حفظ حياته يفقدها، ومن فقد حياته في سبيلي يجدها.» (متى 10: 39)، وقال أيضا: «فملكوت السموات ما زال في جهاد منذ أيام يوحنا المعمدان إلى اليوم، والمجاهدون يأخذونه عنوة.» (متى 11: 12).
تمثل المجتمع القديم وقيمه في الوثنية التقليدية التي فقدت روحها خلال الفترة الهلينستية، وتحولت إلى عبادات شكلانية، كما تمثلت في اليهودية وشريعتها البالية، التي تكمن خصوصيتها في أنها شريعة طقوس ترمي بالدرجة الأولى إلى تأسيس الطرائق التي يحب الإله يهوه أن يبجل بها، ونوع الأضاحي المقربة إليه، والحفاظ على السبت، والاحتفالات الدينية الدورية، والطقوس والعبادات التي يتوجب إقامتها، وما يجوز وما لا يجوز في كل مناحي الحياة، حتى زادت القواعد التي تقيد حياة اليهودي وسلوكه اليومي عن 600 قاعدة، لقد كان الشغل الشاغل لليهود خلال القرون الخمسة السابقة للميلاد، وهي فترة تشكل الديانة اليهودية، هو الحفاظ على تفردهم الديني بأي ثمن، وهذا ما أدى إلى إنتاج ظاهرتين مهمتين في الحياة الدينية اليهودية، أولاهما التنظيم الكهنوتي، والثانية الحرص على الالتزام بالشريعة التي اعتبرت حاجزا يفصل بين اليهود وبقية الأمم، وحارسا على إيمان إسرائيل، ولكن يسوع هدد ركني السلطة اليهودية هذين، أي الشريعة وحراسها من الكهنة، والكتبة، والناموسيين (علماء الشريعة)، والفريسيين، الذين يمثلون النخبة المتعلمة من المجتمع اليهودي.
لقد عبر يسوع من خلال سلوكه اليومي عن رفضه لشريعة موسى، وأحل محلها شريعة القلب والروح، شريعة تخدم الإنسان بدل أن تستعبد الإنسان: «ومر يسوع في السبت خلال المزارع فأخذ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون، فقال له الفريسيون: انظر، لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟ ... فقال لهم: إن السبت جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت.» (مرقس 2: 23-27)، كما عبر في أقوال عديدة عن فساد حراس الشريعة: «الويل لكم أيها الناموسيون تحملون الناس أحمالا باهظة، وأنتم لا تمسون هذه الأحمال بإحدى أصابعكم ... الويل لكم أيها الناموسيون، فقد استوليتم على مفتاح المعرفة، فلا أنتم دخلتم ولا الذين أرادوا الدخول تركتموهم يدخلون.» (لوقا 11: 46-52).
في رفضه للوثنية التقليدية والشريعة التوراتية، بشر يسوع برسالة شمولية تتوجه إلى العالم أجمع، لا لهذه الفئة الإثنية أو تلك، ولا لهذه الطائفة الدينية أو تلك، فقد قال لتلاميذه في إنجيل متى بعد قيامه: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.» (متى 28: 19)، وقال في إنجيل مرقس: «اذهبوا في الأرض كلها وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين.» (مرقس 16: 15)، وهذه الرسالة الشمولية جوهرها المحبة، محبة الله ومحبة الآخرين: «فسأله واحد منهم، وهو ناموسي ، ليجربه: يا معلم ، ما هي أكبر وصية في الشريعة؟ فقال له: أحبب ربك بجميع قلبك وجميع نفسك وجميع ذهنك، تلك هي الوصية الكبرى والأولى، والثانية مثلها، أحبب قريبك حبك لنفسك، بهاتين الوصيتين يرتبط كلام الشريعة كلها والأنبياء.» (متى 22: 35-40)، وقال أيضا: «وصية جديدة أنا أعطيها لكم، أن تحبوا بعضكم بعضا.» (يوحنا 13: 34)، وأيضا: «افعلوا للناس ما أردتم أن يفعله الناس لكم، هذه هي خلاصة الشريعة وكلام الأنبياء.» (متى 7: 12)، وبهذا فقد ألغى يسوع شريعة الطقوس القديمة، وأحل محلها شرع المحبة والأخلاق.
على أن من يقرأ الإنجيل للمرة الأولى ويعجب بهذا الانقلاب الشامل الذي أراده يسوع، يدهش من أقوال ليسوع ترسخ القديم وتكرسه، فقد ورد في إنجيل متى، مثلا، قوله: «لا تظنوا أني جئت لأبطل كلام الشريعة والأنبياء، ما جئت لأبطل بل لأكمل، الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة، حتى يتم كل شيء، فمن خالف وصية من أصغر تلك الوصايا، وعلم الناس أن يفعلوا مثله، عد صغيرا جدا في ملكوت السموات.» (متى 5: 17-19)، وورد في إنجيل متى أيضا: «إن الكتبة والفريسيين على كرسي موسى جالسون، فافعلوا ما يقولونه لكم واحفظوه، ولكن لا تفعلوا مثل أفعالهم؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون.» (متى 23: 1-3)، كما وتصدم القارئ مواقف تتسم بالشوفينية الإثنية والدينية، وتتعارض بشكل صارخ مع تعاليم يسوع الإنسانية، لقد وصف يسوع، في قول منسوب إليه في إنجيل متى، الكنعانيين بالكلاب، ورفض شفاء ابنة امرأة كنعانية في نواحي صيدا، بحجة أنه مرسل فقط إلى بني إسرائيل: «فدنا منه تلاميذه يتوسلون إليه، فقالوا: أجب طلبها واصرفها لأنها تتبعنا بصياحها، فأجاب: لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل، ولكنها وصلت إليه فسجدت له، وقالت: أغثني سيدي. فأجابها: لا يحسن أن يؤخذ خبز البنين ويلقى إلى جراء الكلاب، فقالت: رحماك سيدي، حتى جراء الكلاب تأكل من الفتات الذي يتساقط عن موائد أصحابها.» (متى 15: 21-27).
في قراءتي المبكرة للعهد الجديد فضلت التغاضي عن مثل هذه الأقوال والمواقف، باعتبارها من إشكاليات الإنجيل التي تتطلب التفسير والتأويل، ولكني بعد الاطلاع المنهجي على نشوء المسيحية وتشكلها خلال القرنين التاليين للميلاد، وما جرى خلال هذه الفترة من صراع بين كنيسة الأمم العالمية وكنيسة أورشليم التي أرادت الحفاظ على بعض الملامح اليهودية في الإيمان المسيحي الجديد، أدركت مدى التأثير الذي مارسه اليهود المتحولون إلى المسيحية على الصياغة الأخيرة للأناجيل الرسمية، وما قادت إليه مثل هذه المداخلات المقحمة على سيرة يسوع من ربط عضوي لكتاب العهد القديم بالعهد الجديد، وما فرضه هذا الربط على المسيحيين من تركة توراتية ثقيلة، كان يسوع قد رفضها بكل وضوح وصراحة، تركة عاد بعض الفرق المسيحية للتوكيد عليها في العصور الحديثة، حتى صار الإيمان بكل ما ورد في العهد القديم جزءا لا يتجزأ من الإيمان المسيحي.
إن الروايات المختلفة للحادثة الواحدة في الأناجيل، وحتى التناقضات في الإنجيل الواحد (مما كان موضع دراسة مكثفة خلال القرنين الماضيين) يمكن تفسيرها باختلاف مصادر الرواة، واختلاف الذكريات التي حفظت عن أقوال يسوع وأعماله، ولكن مثل هذه التناقضات الجذرية التي سقنا بعضها آنفا، والتي تضعنا أمام نوعين من التعاليم لا يمكن التوفيق بينهما على أي صعيد، لا يمكن تفسيرها إلا بالمداخلات اليهودية التي أقحمت عن عمد، من أجل الحفاظ على الخمرة الجديدة التي سكبها يسوع ضمن زقاق قديمة (جمع زق، وهو قربة من جلد تحفظ فيه السوائل) هي زقاق العهد القديم، على الرغم مما قاله يسوع عن استحالة سكب الخمرة الجديدة في زقاق قديمة، مشيرا بذلك إلى تعاليمه المستقلة عن تعاليم العهد القديم: «ما من أحد يجعل الخمرة الجديدة في زقاق قديمة، لئلا تشق الخمرة الجديدة الزقاق فتراق وتتلف الزقاق، بل يجب أن تجعل الخمرة الجديدة في زقاق جديدة فتسلم جميعا.» (لوقا 5: 37-38)، و(متى 9: 17).
والحق أقول لكم إن قراءة العهد الجديد لن تستقيم وتعطي مدلولات واضحة ورسالة متماسكة، إذا لم يتم عزل المداخلات اليهودية وفصلها عن سياق النص، وتبيان مدى غرابتها عن المتون الأصلية، وهذا أحد الأهداف الرئيسية التي أسعى لتحقيقها في هذا الكتاب، ولكن دراستي لن تكتفي بذلك لأن الوجه الآخر للمسيح، الذي أحاول نفض ما تراكم عليه من غبار الزمن، ليس الوجه الذي يتجاوز العهد القديم فقط، بل الوجه الرافض للعهد القديم وكل ما يمثله، والرافض أيضا لإله العهد القديم، الذي لم يكن إله يسوع، والذي اعتبرته الكنيسة المسيحية الغنوصية متطابقا مع الشيطان، وبشرت بالأب النوراني الأعلى، أبي الحقيقة، ومخلص الإنسانية.
إن دراستي لنشوء المسيحية والتي ترافقت مع ترجمة ونشر النصوص الغنوصية التي اكتشفت في نجع حمادي بصعيد مصر، ولم توضع بين أيدي الباحثين إلا في أواسط سبعينيات القرن العشرين، قد أوضحت لي، ولكثير من الباحثين، أن الأناجيل الأربعة التي اعتمدت من قبل كنيسة روما في أواخر القرن الثاني الميلادي، لا تحتكر صورة يسوع الحقيقي، التي لا بد لاستكمالها من الرجوع إلى الأناجيل والمؤلفات الغنوصية لمكتبة نجع حمادي، التي شكلت خلال القرون الثلاثة التالية للميلاد الأساس الفكري لكنيسة غنوصية نافست الكنيسة الرسمية لعدة قرون، وادعت حيازتها لتعاليم أخرى ليسوع بثها في حلقة ضيقة من تلاميذه المقربين.
صفحه نامشخص
سوف يعتمد استقصائي للوجه الآخر للمسيح على أسفار العهد الجديد نفسها؛ لأنها بقيت تحتفظ بخطوط واضحة وقوية من هذا الوجه على الرغم من المداخلات اليهودية واللمسات التحريرية التوفيقية، وفي الوقت نفسه أعقد صلة بين ما تحصل لدي من قراءة الأناجيل الأربعة وصورة يسوع كما رسمتها الأناجيل والنصوص الغنوصية، التي جرى إتلافها في القرن الرابع الميلادي عقب حملات التصعيد التي تعرضت لها، ولم يبق منها سوى ترجمات قبطية دفنت في صحراء الصعيد، ولم تكتشف إلا بعد مرور ألف وخمسمائة سنة، وبما أن منطقة الجليل كانت المسرح الذي شهد مولد يسوع، وفيها عاش كل حياته وبشر برسالته، فإننا سوف نولي هذه المنطقة اهتماما خاصا من الناحية الإثنية والثقافية والدينية، ونتقصى صلتها التاريخية بيهوذا والسامرة، ثم بمقاطعة اليهودية التي نشأ وتطور فيها الدين اليهودي، وذلك في محاولة لإلقاء الضوء على خلفية يسوع الثقافية، وعلاقته باليهود واليهودية.
قبل الشروع في قراءة الفصل الأول من هذا الكتاب أنصح القارئ بقراءة سيرة يسوع كما وردت في إنجيل مرقس ، والتي خصصت لها ملحقا في آخر الكتاب، وقد اخترت إنجيل مرقس بالذات بسبب قصره واختصاره وبعده عن التطويل، فهو يقدم سيرة يسوع في خطوطها العامة دون الخوض في كثير من التفاصيل التي وردت في الأناجيل الأخرى. إن قراءة هذا الإنجيل، أو أي إنجيل آخر يختاره القارئ، من شأنها تزويده بمزدلف سهل إلى الجو العام لهذا الكتاب، وقد اعتمدت الترجمة الكاثوليكية الجديدة للعهد الجديد الصادر في بيروت عام 1969م، وهي بمثابة تشذيب للترجمة الأقدم، لجعلها أقرب إلى العربية العصرية، ولاستيعاب القارئ الذي لم يعد قريب الصلة بأساليب الكتابة القديمة ومصطلحاتها، وهذه الترجمة هي التي اقتبست منها معظم شواهدي الإنجيلية في هذا الكتاب، مع الاستعانة بالترجمة البروتستانتية عندما أجد الجملة فيها أكثر فصاحة.
فراس السواح
حمص، حزيران (يونيو) 2004م
الفصل الأول
في الأناجيل الأربعة ومؤلفيها ورسالتها
لم يترك يسوع أثرا مكتوبا، بل تعاليم شفوية وسيرة حياة، لقد تكلم وعاش وكانت الجماعات المسيحية الأولى تتناقل أقواله وسيرة حياته كما وصلت إليها عن طريق تلاميذ يسوع الذين رأوه وسمعوه، ومارسوا تبشيرهم وهم تحت تأثير شخصيته وطريقة عيشه وأعماله. وعندما مات معظم أفراد هذا الجيل حاملين معهم ذكرياتهم وانطباعاتهم المباشرة، وطفت على السطح الخلافات والتناقضات داخل الكنيسة الأولى، ظهرت الحاجة إلى تدوين سيرة يسوع وتعاليمه، بهدف تثبيت المعتقد المسيحي من جهة، وتوكيد وجهة نظر هذه الجماعة أو تلك من جهة أخرى، ويبدو أن إنجيل مرقس كان أقدم الأناجيل، حيث يجمع دارسو العهد الجديد على أنه قد دون نحو عام 70م، تلاه إنجيلا متى ولوقا اللذان دونا خلال الفترة الواقعة بين عامي 70 و90م، ثم إنجيل يوحنا الذي دون في زمن ما خلال الفترة الواقعة بين عام 90 وعام 110م.
إلى جانب هذه الأناجيل الأربعة، التي اعتبرت وحدها قانونية فيما بعد، فقد تداول المسيحيون خلال القرون الأولى الميلادية عددا كبيرا من الأناجيل والرؤى والأعمال التي دعيت منحولة فيما بعد، ومنع المسيحيون من قراءتها وتداولها، تتضمن الكتابات المنحولة روايات عن ميلاد يسوع وطفولته ويفاعته، مما يغطي الفترة التي تجاهلتها الأناجيل الأربعة من حياة يسوع ، وروايات عن مريم العذراء وميلادها وحياتها، وأخرى عن تاريخ يوسف النجار، وغيرها من الموضوعات التي كان الخيال الشعبي والتقوى المسيحية البسيطة بحاجة إليها، وعلى الرغم من بقاء هذه الكتابات المنحولة على هامش العهد الجديد، فإنها مارست تأثيرا كبيرا على الفن التشكيلي المسيحي، والموسيقى الكنسية، والمناسبات والأعياد الدينية، إن مغارة الميلاد التي ما زالت تصور حتى يومنا هذا على بطاقات أعياد الميلاد ورأس السنة، ليست إلا تقليدا باقيا من تقاليد الميلاد المنحولة.
إلى جانب هذه المؤلفات المنحولة ذات الطابع التقوي الشعبي، ظهر نوع آخر من الأناجيل والمؤلفات الغنوصية أحدثت شرخا حقيقيا في الكنيسة المبكرة، وإذا كانت الكنيسة القويمة
1
صفحه نامشخص
قد تجاهلت النوع التقوي الشعبي من الأناجيل والمؤلفات المنحولة لأسباب شتى أهمها امتلاؤها بالعجائب والغرائب والمعجزات، فإنها حرمت المؤلفات الغنوصية باعتبارها هرطقة وتجديفا وخطرا على الإيمان المسيحي.
في هذا الفصل سوف نركز على الأناجيل الأربعة القانونية؛ لأنها عماد المسيحية التي نعرفها اليوم، ونبحث في مؤلفيها وبنيتها ومضمونها، مع التركيز على وجهتي النظر التي تطرحها بخصوص حياة يسوع وشخصيته وتعاليمه، تتبدى وجهة النظر الأولى في الأناجيل الثلاثة المدعوة بالإزائية والمتشابهة، وهي متى ومرقس ولوقا، أما وجهة النظر الثانية فتتبدى في إنجيل يوحنا، الذي يعتبر نسيج وحده بين الأربعة. (1) الأناجيل الإزائية
عزيت هذه الأناجيل إلى أسماء من العصر الرسولي، هم على التوالي: متى ومرقس ولوقا، ويبدو أن عناوين هذه الأناجيل، التي تقول: الإنجيل بحسب متى، أو بحسب مرقس، أو بحسب لوقا، قد وضعت بعد تأليفها بزمن طويل، وذلك لإضفاء السلطة والمصداقية عليها، إن أقدم إشارة إلى متى ومرقس بوصفهما مؤلفين لإنجيليهما قد وردت لدى أوزيبوس القيساري
Eusibius Of Caesarea ، الذي عاش في القرن الرابع الميلادي ووضع في تاريخ الكنيسة كتابا اعتمد في أخباره عن الإنجيليين على الأسقف بابياس
الذي عاش في القرن الثاني الميلادي. يقول بابياس بأن متى كان أول من جمع تعاليم يسوع في مؤلف دعاه «بالأقوال»
Logia ، كتبه بالآرامية، ثم قام الآخرون بترجمته كل حسب مقدرته، ونحن لا نعرف بالفعل ما إذا كان هذا الكتاب هو نفسه إنجيل متى المعروف، والذي يحتوي على أكثر من مجرد أقوال وتعاليم يسوع، ولا ندري ما إذا كان متى «الأقوال» هذا هو نفسه متى العشار تلميذ يسوع. وفي الحقيقة فإن معظم الباحثين في العهد الجديد، منذ القرن التاسع عشر، يشكون بنسبة إنجيل متى إلى متى العشار تلميذ يسوع، ولكن هذا الخبر عن «الأقوال» أو «اللوجيا» يلفت نظرنا إلى حقيقة مهمة تتعلق بتأليف الأناجيل، وهي أن المؤلفين قد اعتمدوا مجموعة أو أكثر لأقوال يسوع، ثم وضعوا لها مناسبات معينة، وشبكوا هذه المناسبات إلى بعضها في سياق كرونولوجي لتعطي الانطباع بسيرة مطردة، وقد بقي لنا نموذج عن مثل هذه «الأقوال» التي لم تتحول إلى سيرة، وذلك في إنجيل توما، الذي يحتوي على 114 قولا ليسوع دون ذكر مناسباتها أو سياقها الكرونولوجي في حياة يسوع، الذي يبدو هنا خارج أي سياق دنيوي، ومعلما يهدي إلى العرفان في جمل قصيرة ومكثفة.
ثم يقدم لنا بابياس هذا مرقسا باعتباره مرافقا لبطرس في رحلاته التبشيرية، ويقول بأن مرقس قد سجل ما سمعه من بطرس عن حياة وأقوال يسوع، على الرغم من أنه لم ير يسوع ولم يسمع منه مباشرة. أما عن الإنجيل الثالث فإن أقدم إشارة تربطه بلوقا تأتي من أول كاتالوج للعهد الجديد في نهاية القرن الثاني الميلادي، ولوقا هذا، شأنه شأن مرقس، شخصية غامضة وغير واضحة المعالم، ونحن لم نعرف عنهما إلا من إشارات متفرقة في سفر أعمال الرسل، وفي رسائل بولس.
وبشكل عام، هنالك شبه إجماع بين دارسي العهد الجديد، على أنه على الرغم من الاسم الرسولي لكاتب الإنجيل الأول، فإن مؤلفي الأناجيل الثلاثة لم يروا يسوع ولم يسمعوا منه مباشرة، وإنما كتبوا أناجيلهم باللغة اليونانية بعد مضي جيل أو جيلين على وفاة يسوع، اعتمادا على ذكريات ومعلومات غير مباشرة، وربما توفرت لواحد منهم أو أكثر مجموعة أقوال ليسوع دونها مؤلف مجهول الهوية. ويبدو من المعلومات التي يوردونها عن فلسطين عصر يسوع، عدم معرفتهم بجغرافية وطبوغرافية وبيئة فلسطين، من ذلك مثلا ما ورد في إنجيل مرقس 517: 1 وإنجيل لوقا 8: 26، عن ممسوس في كورة (أو ناحية) الجدريين (نسبة إلى بلدة جدرة الجليلية) أخرج يسوع منه شياطين كثيرة كانت تعذبه، ولكن الشياطين استأذنت يسوع أن تدخل في قطيع من الخنازير كان يرعى في الجوار، فأذن لها، وعندما حلت الشياطين في الجزيرة اهتاجت واندفعت من على الجرف إلى بحر الجليل وغرقت، والمعروف أن بلدة جدرة كانت تقوم على مسافة بعيدة جدا عن بحر الجليل، بحيث إذا أرادت الخنازير أن تصل إليه كان عليها أن تطير لا أن تقفز.
2
دعيت هذه الأناجيل الثلاثة بالإزائية؛ لأنها تعكس وجهة نظر واحدة في حياة يسوع ورسالته؛ ولأن القصة فيها تسير عبر مفاصل رئيسية متقابلة، بحيث نستطيع المقارنة بينها عن طريق وضعها إزاء بعضها بعضا في أعمدة ثلاثة. لننظر مثلا إلى حادثة شفاء يسوع لحماة بطرس في الأناجيل الثلاثة، ونرى كيف تتقابل الروايات عندما نضعها في ثلاثة أعمدة إزائية.
صفحه نامشخص
متى 8
مرقس 1
لوقا 4 (14) وجاء يسوع إلى بيت بطرس فرأى حماته ملقاة على الفراش محمومة. (29) ولما خرجوا من المجمع جاءوا إلى بيت سمعان وأندرواس. (38) ثم ترك المجمع ودخل بيت سمعان. وكانت حماة سمعان مصابة بحمى شديدة فسألوه أن يسعفها. (30) وكانت حماة سمعان في الفراش محمومة فأخبروه بأمرها. (15) فلمس يدها ففارقتها الحمى فنهضت وأخذت تخدمهم. (31) فدنا منها فأخذ بيدها وأنهضها ففارقتها الحمى وأخذت تخدمهم. (39) فانحنى عليها وزجر الحمى، ففارقتها فنهضت من وقتها وأخذت تخدمهم.
ولكن المقابلة بين الأناجيل الإزائية ليست دوما على هذه الدرجة من الدقة، ذلك أن إنجيل مرقس هو الأقصر بينها والأشد اختصارا، وهو يبدأ من ظهور يوحنا المعمدان وتعميده للناس في نهر الأردن، ومجيء يسوع للاعتماد على يديه، وهو يتجاهل تماما ميلاد يسوع وطفولته ونسبه، على عكس الإنجيلين الآخرين اللذين يبتدئان بروايتين مطولتين ومختلفتين عن الميلاد، ثم ينفرد لوقا بإيراد قصة يسوع وهو فتى في الثانية عشرة من عمره يناقش شيوخ الهيكل، وبينما يزيد طول إنجيل متى على 60٪ من طول إنجيل مرقس، فإن إنجيل لوقا يزيد على إنجيل مرقس بمقدار 70٪، هذا وتشكل المادة التي قدمها مرقس قاسما مشتركا بين متى ولوقا، عالجاها على هذه الدرجة أو تلك من التطوير والإطالة، ولكن الإنجيلين يشتركان أحيانا بإيراد أحداث أو أقوال لم ترد عند مرقس، وقد ينفرد أحدهما بمادة غير موجودة في الآخر، وهذا ما دعا الباحثين في العهد الجديد إلى الاستنتاج بأن إنجيل مرقس هو تأليف أصلي مستقل اعتمده كل من متى ولوقا، فنظم مادته بشكل خاص به، وأضاف إليها مادة مستمدة من مرجع آخر مجهول ومشترك بينهما أيضا دعوه ب «كويلا»
Quella ، وهي كلمة ألمانية تعني «المصدر».
وإليكم هذه المقارنة الثانية:
مرقس 8
متى 16
لوقا 9 (27) ثم ذهب يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيليبس، فسأل في الطريق تلاميذه: من أنا على حد قول الناس؟ (13) ولما وصل يسوع إلى نواحي قيصرية فيليبس، سأل تلاميذه: من هو ابن الإنسان على حد قول الناس؟ (18) واتفق أنه كان يصلي في عزلة، والتلاميذ معه، فسألهم: من أنا على حد قول الجموع؟ (28) فأجابوه: يوحنا المعمدان، والبعض يقول إيليا، وآخرون أحد الأنبياء. (14) فقالوا: بعضهم يقول هو يوحنا المعمدان، وبعضهم يقول هو إرميا أو أحد الأنبياء. (19) فأجابوه: يوحنا المعمدان، وبعضهم يقول إيليا، آخرون نبي من الأولين قام. (29) فسألهم: ومن أنا على حد قولكم أنتم؟ (15) فقال لهم: ومن أنا على حد قولكم أنتم؟ (20) فقال لهم: ومن أنا على حد قولكم أنتم؟ (30) فأجاب بطرس: أنت المسيح، فنهاهم أن يخبروا أحدا بأمره. (16) فأجاب سمعان بطرس: أنت المسيح ابن الله الحي. (21) فأجاب بطرس مسيح الله، فنهاهم بشدة أن يخبروا أحدا بذلك. (17) فأجابه يسوع: طوبى لك يا سمعان ابن يونا، فليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السموات، وأنا أقول لك: أنت صخر، وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي فلن تقوى عليها أبواب الجحيم، وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات ... ثم أوصى تلاميذه بألا يخبروا أحدا بأنه المسيح.
نلاحظ من هذه المقارنة أن الإضافة التي انفرد بها متى تخدم أهدافه، فليس الإعلاء من شأن بطرس هنا إلا انتصارا من قبل متى لكنيسة الختان التي كان بطرس داعيتها الرئيسي، على حساب كنيسة الأمم التي كان بولس داعيتها الرئيسي.
صفحه نامشخص
فإذا تابعنا المقارنة السابقة وجدنا لوقا الذي عودنا على التفصيل والإفاضة، يهمل ما تلا ذلك من تفريع يسوع لبطرس.
مرقس 8
متى 16
لوقا 9 (32) ثم بدأ يعلمهم أن ابن الإنسان يجب عليه أن يعاني آلاما شديدة، وأن يرذله الشيوخ والأحبار والكتبة وأن يقتل، وأن يقوم في ثلاثة أيام. (21) وبدأ يسوع من ذلك اليوم يظهر لتلاميذه أنه يجب عليه الذهاب إلى أورشليم ويلقى أشد الآلام من الشيوخ والأحبار والكتبة، ويقتل ويقوم في اليوم الثالث. (22) وقال: يجب على ابن الإنسان أن يعاني آلاما شديدة، وأن يرذله الشيوخ والأحبار والكتبة وأن يقتل ويقوم في اليوم الثالث. (32) وكان يقول هذا الكلام صراحة فانفرد به بطرس وراح يعاتبه. (22) فانفرد به بطرس وجعل يعاتبه فيقول: حاشاك يا رب من هذا المصير. (33) فالتفت فرأى تلاميذه، فزجر بطرس وقال: اذهب عني يا شيطان لأن أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار البشر. (23) فالتفت وقال لبطرس: سر خلفي يا شيطان، فأنت عقبة دوني؛ لأن أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار البشر. (2) بين إنجيل مرقس والإنجيلين الآخرين
لعل أكثر ما يلفت النظر في مسألة الفروق بين الأناجيل الإزائية، هو الإطار الزمني الذي تجري فيه أحداث الرواية، فإنجيل مرقس الأكثر اختزالا بينها يفتتح روايته، كما ألمحنا سابقا، بالظهور العلني ليوحنا المعمدان وتعميده بالماء لمغفرة الخطايا، وهو يتجاهل تماما عنصر الحبل العذري بيسوع وقصة ميلاده وطفولته، فيسوع يظهر فجأة عندما يأتي من الناصرة ليتعمد على يدي يوحنا. وفي النسخ القديمة لإنجيل مرقس يختتم المؤلف روايته عندما هربت النساء الثلاث اللواتي أتين إلى قبر يسوع مذعورات؛ لأنهن لم يجدن الجثمان، وقال لهن الملاك الواقف في الداخل إن يسوع قد قام من بين الأموات، وإنه سيسبق تلاميذه إلى الجليل، وهذا ما يرجح في رأي بعض الباحثين أن قصة الميلاد العذري، وكذلك ظهورات المسيح المتكررة لتلاميذه، وارتفاعه أخيرا إلى السماء أمام أعينهم، مما ورد في النسخ اللاحقة للإنجيل، هي عناصر مقحمة على النص الأصلي .
أما متى فإنه يزيد على مرقس مقدمة تتعلق بنسب يسوع من ناحية يوسف النجار، فيعرض سلسلة تبتدئ بإبراهيم وتنتهي بيوسف زوج مريم، مرورا بالملك داود، ثم ينتقل بعد ذلك إلى قصة الميلاد، وفي النهاية يقدم لنا خاتمة تتجاوز خاتمة مرقس لتقص باختصار عن ظهورات يسوع بعد القيامة، وأما لوقا فإنه يمد القصة في كلا الاتجاهين، فقبل أن يتحدث عن الميلاد وعن نسب يسوع، يورد لنا قصة ميلاد يوحنا المعمدان التي تتساوق أحداثها مع قصة ميلاد يسوع، ثم يزيد على قصة الميلاد حادثة زيارة الأبوين للهيكل، وبقاء يسوع الفتى هناك يجادل الشيوخ الذين أدهشتهم حكمته. وفي نهاية إنجيله يقدم لنا لوقا خاتمة طويلة عن قيامة المسيح وظهوراته، تحتوي على العديد من العناصر التي لم ترد عند متى. (3) الميلاد بحسب متى
الإصحاح الأول (1) نسب يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. (2) فإبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته. (3) ويهوذا ولد فارص وزارح من تامار، وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد آرام. (4) وآرام ولد عميناداب، وعميناداب ولد نحشون، ونحشون ولد سلمون. (5) وسلمون ولد بوعز من راحاب، وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسي. (6) ويسي ولد الملك داود، وداود ولد سليمان من امرأة أوريا. (7) وسليمان ولد رحبعام، ورحبعام ولد أبيا، وأبيا ولد آسا. (8) وآسا ولد يهوشافاط، ويهوشافاط ولد يورام، ويورام ولد عوزيا، وعوزيا ولد يوتام. (9) ويوتام ولد آحاز، وآحاز ولد حزقيا (10) وحزقيا ولد منسي، ومنسي ولد آمون، وآمون ولد يوشيا. (11) ويوشيا ولد يكينا وأخوته في أثناء الجلاء إلى بابل. (12) ويكينا ولد شألتئيل، وشألتئيل ولد زربابل. (13) وزربابل ولد أبيهود، وأبيهود ولد أليقايم، وأليقايم ولد عازور. (14) وعازور ولد صادوق، وصادوق ولد آخيم، وآخيم ولد أبيهود. (15) وأبيهود ولد عازر، وعازر ولد متان، ومتان ولد يعقوب. (16) ويعقوب ولد يوسف زوج مريم والدة يسوع الذي يقال له المسيح. (17) فجملة الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلا، ومن داود إلى الجلاء إلى بابل أربعة عشرة جيلا، ومن الجلاء إلى بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلا. (18) أما ميلاد يسوع المسيح، فهذا خبره: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف، وجدت حاملا من الروح المقدس قبل أن يتساكنا. (19) وكان يوسف زوجها بارا فلم يرد أن يشهر أمرها، فعزم على تركها سرا. (20) وفيما هو متفكر في ذلك تراءى له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تجيء بامرأتك مريم إلى بيتك؛ لأن الذي تحمله هو من الروح القدس. (21) وستلد ابنا فسمه يسوع؛ لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم. (22) وإنما حدث هذا كله ليتم ما أوحى الرب إلى النبي القائل. (23) هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا يدعى عمانوئيل، أي الله معنا. (24) فلما قام يوسف من النوم، فعل ما أمره به ملاك الرب فجاء بامرأته إلى بيته. (25) على أنه لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر فسماه يسوع.
3
الإصحاح الثاني (1) ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية على عهد الملك هيرود، قدم أورشليم مجوس من المشرق. (2) وقالوا: أين هو المولود ملك اليهود؟ فقد رأينا نجمه طالعا في المشرق فجئنا لنسجد له. (3) فلما بلغ الخبر هيرود اضطرب واضطربت أورشليم كلها معه. (4) فجمع الأحبار وكتبة الشعب، واستخبرهم أين يولد المسيح. (5) فقالوا له: في بيت لحم اليهودية، فقد أوحي إلى النبي فكتب: (6) «وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا، لست الصغيرة في ولايات يهوذا، فمنك يخرج وال يرعى شعبي إسرائيل.» (7) فدعا هيرود المجوس سرا وتحقق منهم في أي وقت ظهر النجم. (8) ثم بعثهم إلى بيت لحم وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الطفل، فإذا وجدتموه فأخبروني لأذهب أنا أيضا وأسجد له. (9) فلما سمعوا كلام الملك انصرفوا، وإذا النجم الذي رأوه طالعا يتقدمهم حتى بلغ المكان الذي فيه الطفل فوقف فوقه. (10) فلما أبصروا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا. (11) ودخلوا البيت فرأوا فيه الطفل وأمه مريم فجثوا له ساجدين، ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا إليه ذهبا وبخورا ومرا. (12) ثم أوحي إليهم في الحلم ألا يرجعوا إلى هيرود، فانصرفوا سالكين طريقا آخر إلى بلادهم. (13) وكان بعد انصرافهم أن تراءى ملاك الرب ليوسف في الحلم، وقال له : قم فاهرب بالطفل وأمه إلى مصر وأقم فيها حتى أعلمك؛ لأن هيرود سيبحث عن الطفل ليهلكه. (14) فقام وسار بالطفل وأمه ليلا ولجأ إلى مصر. (15) فأقام فيها إلى أن توفي هيرود، لكي يتم ما أوحي إلى النبي فقال: «من مصر دعوت ابني.» (16) أما هيرود فلما رأى أن المجوس سخروا منه، استشاط غضبا وأرسل فقتل كل طفل في بيت لحم وسائر أراضيها، من ابن سنتين فما دون ذلك، بحسب الوقت الذي تحققه من المجوس. (17) فتم ما أوحي إلى النبي إرميا فقال (18): «صراخ سمع في الرامة، بكاء ونحيب، راحيل تبكي بنيها، وتأبى أن تتعزى لأنهم زالوا من الوجود.» (19) وما أن توفي هيرود حتى تراءى ملاك الرب في حلم ليوسف في مصر. (20) وقال له: اذهب بالطفل وأمه وارجع إلى أرض إسرائيل، قد مات من كان يريد إهلاك الطفل. (21) فقام فذهب بالطفل وأمه ورجع إلى أرض إسرائيل. (22) فسمع أن أرخلاوس قد خلف أباه هيرود على اليهودية فخاف أن يذهب إليها. (23) فأوحى إليه في الحلم، فلجأ إلى الجليل وجاء إلى مدينة يقال لها الناصرة فسكن فيها ليتم ما أوحي إلى الأنبياء فقالوا: «وإنه ناصريا يدعى.» (إلى هنا وتتوقف سيرة يسوع عند متى حتى ظهور يوحنا المعمدان وقدوم يسوع للاعتماد على يديه، حيث يقول متى في الإصحاح 3): (13) ثم ظهر يسوع فجأة من الجليل إلى الأردن قاصدا يوحنا ليعتمد على يده. (14) فجعل يوحنا يمانعه فيقول: أنا أحتاج إلى الاعتماد على يدك، فكيف تجيء أنت إلي؟ (15) فأجابه يسوع: دعني الآن وما أفعل فهكذا يحسن بنا أن نتم بكل بر. فكف عن ممانعته. (16) واعتمد يسوع وخرج لوقته من الماء فإذا السموات قد انفتحت فرأى روح الله يهبط كأنه حمامة وينزل عليه. (17) وإذا صوت من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت.» •••
يطرح مطلع إنجيل متى المتعلق بنسب المسيح أولى المداخلات اليهودية في الإنجيل، فسلسلة النسب عبر خط الذكور تتألف عنده من أربعة عشر جيلا مقسمة على ثلاث مجموعات: الأولى من إبراهيم إلى داود، والثانية من داود إلى يكنيا (ويدعى كيناهو، ويهوياكين، وهو واحد من أواخر ملوك يهوذا)، والثالثة من يكنيا إلى يسوع عبر يوسف، فيسوع هو ابن داود، وهو المسيح اليهودي المنتظر. ولكن سلسلة نسب يسوع هذه تتهاوى كبيت من ورق، عندما ينهيها متى بخاتمة تنسفها من حيث الأصل فبدلا من أن يتابع سلسلته على طريقة «أ» أنجب «ب»، و«ب» أنجب «ج»، و«ج» أنجب «د»، وصولا إلى نهايتها المنطقية التي يجب أن تكون: «ويعقوب أنجب يوسف، ويوسف أنجب يسوع»، وهذا ما يتناقض مع فكرة الحمل العذري من الروح القدس، فقد أنهاها متى على الشكل التالي: «ويعقوب أنجب يوسف زوج مريم والدة المسيح»، وهذه الخاتمة على غموضها تشير إلى أن يسوع ليس الابن الجسدي ليوسف، وفي هذه الحالة يبقى السؤال الذي لم يجب عليه متى مطروحا، وهو: «كيف يكون يسوع ابنا لداود عبر هذه السلسلة الطويلة، على الرغم من أنه ليس الابن الجسدي ليوسف؟ هذا على فرض صحة نسب يوسف لداود، وهي مسألة سوف نثيرها فيما بعد.
صفحه نامشخص
أما قصة الميلاد نفسها فتحتوي على أخطر المداخلات اليهودية في الإنجيل، وهي المداخلة التي رسخت الأصل اليهودي ليسوع، فأسرة يسوع ليست أسرة جليلية متهودة، بل هي أسرة يهودية من مدينة بيت لحم الواقعة في مقاطعة اليهودية، ويسوع ولد في بيت عادي من بيوت بيت لحم؛ حيث قصده المجوس هناك وسجدوا له وقدموا الهدايا، ولكي يعطي قصته هذه مصداقية، نراه يقتبس من العهد القديم نبوءة حول المسيح المنتظر، ولكنه يعدلها بطريقة تخدم أهدافه عندما يقول بأن ميلاد يسوع في بيت لحم يهوذا قد حقق النبوءة القديمة القائلة: «وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا، لست الصغيرة في ولايات يهوذا، فمنك يخرج وال يرعى شعبي إسرائيل.» وفي الحقيقة فإن النبوءة الوحيدة التي يمكن أن تتطابق مع ما اقتبسه متى، هي الواردة في سفر ميخا 5: 2 والتي تقول: «أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل .» وبما أن «أفراتة» التي يذكرها هذا النص تقع في منطقة الجليل، على ما نفهم من عدة مواضع في سفر التكوين، وفيها تقع مدينة بيت لحم الجليلية التي كان مؤلف متى يعرفها جيدا، فقد عمد إلى التلاعب بنص العهد القديم وحول بيت لحم أفراتة الصغيرة على أن تكون بين ألوف يهوذا، إلى بيت لحم أرض يهوذا التي ليست أصغر ولايات يهوذا، ومنها يخرج وال يرعى شعب إسرائيل وهذه نقطة سوف نعود إليها بالتفصيل لاحقا.
ولكي يبرر متى وجود أسرة يسوع في الجليل ونشأته وتبشيره هناك، فإنه يبتكر قصة هرب العائلة المقدسة إلى مصر؛ خوفا من هيرود الذي كان يبحث عن الطفل ليقتله، وعندما توفي هيرود، ويسوع ما زال طفلا صغيرا، عاد يوسف ليسكن مع عائلته في موطنه الأصلي بيت لحم، ولكنه عرف لدى وصوله إلى أرخيلاوس، قد خلف أباه هيرود على حكم اليهودية، فخاف ونزح بعائلته إلى الجليل حيث سكن في مدينة الناصرة، وهنا يبتكر متى نبوءة لم ترد في أي موضع من أسفار العهد القديم عندما قال: «فسكن فيها ليتم ما أوحي إلى الأنبياء فقالوا: إنه ناصريا يدعى.»
ومن ناحية أخرى فقد كان لمتى من وراء قصة قيام هيرود بقتل كل المواليد في بيت لحم، على أمل أن يكون يسوع بينهم، هدف لاهوتي بعيد المرامي، فيسوع هو موسى الجديد، معلم إسرائيل القديم في حلة جديدة، فكما أمر فرعون في سفر الخروج بقتل كل المواليد العبرانيين الذكور إبان الوقت الذي ولد فيه موسى، كذلك يأمر الفرعون الجديد، وهو الملك هيرود الشرير، بقتل كل مواليد بيت لحم، ولكن يسوع ينجو مثلما نجا موسى عندما أودعته أمه في سلة ورمته إلى نهر النيل (سفر الخروج 1 و2).
وسواء في قصة الميلاد الافتتاحية أم في بقية إنجيل متى، يحاول المؤلف على الدوام إثبات المطابقة بين يسوع وبين مسيح العهد القديم، من خلال إيراد الأقوال النبوية التوراتية، وتوجيهها لتنطبق على سيرة يسوع، فهو يولد من عذراء تحقيقا لنبوءة إشعياء 7: 14: «هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا يدعى عمانوئيل ...» ويكون مولده في بيت لحم تحقيقا لنبوءة ميخا 5: 2: «وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا ... إلخ.» وهيرود يقتل مواليد بيت لحم تحقيقا لنبوءة إرميا 31: 15: «صراخ سمع في الرامة، بكاء ونحيب، راحيل تبكي على بنيها ...» والعائلة المقدسة تلجأ إلى مصر تحقيقا لنبوءة هوشع 11: 1: «من مصر دعوت ابني.» وهو يسكن في كفر ناحوم، بعد الناصرة، تحقيقا لنبوءة إشعيا 9: 2: «أرض زبولون وأرض نفتالي، طريق البحر، عبر الأردن جليل الأمم، الشعب القاعد في الظلمة أبصر نورا باهرا.» ويوحنا المعمدان يبدأ مهمته التبشيرية قبل يسوع، تحقيقا لنبوءة ملاخي 3: 1: «ها أنا ذا أرسل رسولي قدامك ليعد الطريق أمامك.» ويسوع يكلم مستمعيه بالأمثال تحقيقا لنبوءة وردت في المزمور 77: 2: «أنطق بالأمثال وأعلن ما كان خفيا.» وهو يطرد الأرواح الشريرة من الممسوسين ويشفي المرضى، تحقيقا لنبوءة إشعيا 53: 4: «أخذ أمراضنا وحمل أسقامنا.» وروح الرب يحل عليه ليبشر الأمم، تحقيقا لنبوءة إشعيا 42: 1-2: «هو ذا فتاي
4
الذي اخترته حبيبي الذي رضيت عنه، سأفيض روحي عليه فيبشر الأمم بالحق.» وتتتابع هذه النبوءات عبر حياة يسوع التبشيرية وصولا إلى مشهد الصلب، عندما سقوه خلا فيه مرارة ليشربها، ثم اقترعوا على ثيابه، حيث تم هذا تحقيقا لما ورد في المزمور 69: 21: «ويجعلون في طعامي علقما، وفي عطشي يسقونني الخل.» ولما ورد في المزمور 22: 18: «ثقبوا يدي ورجلي، أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون، يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون.» (4) الميلاد بحسب لوقا
الإصحاح الأول (5) كان في عهد هيرود ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا، له امرأة من بنات هارون اسمها أليصابات. (6) وكانا كلاهما بارين عند الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه، ولا غبار عليهما. (7) ولم يكن لهما ولد لأن أليصابات كانت عاقرا، وقد طعنا كلاهما في السن. (8) وبينما هو يكهن لدى الله في نوبة فرقته. (9) ألقيت القرعة جريا على سنة الكهنوت، فأصابته ليدخل هيكل الرب ويحرق البخور. (10) وكانت جماعة الشعب كلها تصلي في خارج المذبح عند إحراق البخور. (11) فتراءى ملاك الرب قائما عن يمين مذبح البخور. (12) فاضطرب زكريا حين رآه، واستولى عليه الخوف. (13) فقال له الملاك: يا زكريا لا تخف، إن دعاءك قد سمع، وستلد امرأتك ابنا فسمه يوحنا. (14) وستلقى فرحا وابتهاجا، ويفرح بمولده أناس كثيرون. (15) لأنه سيكون عظيما لدى الرب ولن يشرب الخمر ولا مسكرا، ويمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أمه. (16) ويهدي كثيرا من بني إسرائيل إلى الله ربهم. (17) ويتقدمه روح إيليا وقوته، ليعطف بقلوب الآباء على الأبناء، ويرجع العصاة إلى حكمة الأبرار، فيعد للرب شعبا صالحا. (18) فقال زكريا للملاك: بم أعرف هذا، وأنا شيخ كبير وامرأتي طاعنة في السن؟ (19) فأجابه الملاك: أنا جبرائيل القائم في حضرة إله، أرسلت إليك لأبلغك هذه البشرى. (20) وستصاب بالخرس فلا تستطيع الكلام إلى يوم يحدث ذلك لأنك لم تؤمن بكلامي، وكلامي سيتم في أوانه. (21) وكان الشعب ينتظر زكريا متعجبا من إبطائه في الهيكل. (22) فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم فعرفوا أنه رأى رؤيا في الهيكل، وكان يخاطبهم بالإشارة وبقي أخرس. (23) فلما انتهت أيام خدمته انصرف إلى بيته. (24) وبعد تلك الأيام حبلت امرأته أليصابات، فكتمت أمرها خمسة أشهر وكانت تقول: (25) هذا ما آتاني الرب من فضله يوم عطف علي، فأزال عني العار من بين الناس. (26) وفي الشهر السادس أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل تدعى الناصرة. (27) إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم. (28) فدخل إليها فقال: السلام عليك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك. (29) فاضطربت لهذا الكلام وقالت في نفسها ما معنى هذا. (30) فقال لها الملاك: يا مريم لا تخافي قد نلت حظوة عند الله. (31) فستحملين وتلدين ابنا تسمينه يسوع. (32) فيكون عظيما وابن العلي يدعى، ويوليه الله ربنا عرش داود أبيه. (33) ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر، ولن يكون لملكه انقضاء. (34) فقالت مريم للملاك: أنى يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟ (35) فأجابها الملاك إن الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظللك؛ لذلك يكون المولود قدوسا وابن الله يدعى. (36) وإن قريبتك أليصابات قد حبلت هي أيضا بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرا. (37) فما من شيء يعجز الله. (38) فقالت مريم: أنا أمة الرب فليكن لي كما قلت. وانصرف الملاك من عندها. (39) وفي تلك الأيام مضت مريم تجد السير إلى الجبل إلى مدينة يهوذا [أورشليم]. (40) ودخلت بيت زكريا فسلمت على أليصابات. (41) فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس. (42) فهتفت بأعلى صوتها: مباركة أنت بين النساء ومباركة ثمرة بطنك. (43) أنى لي أن تأتيني أم ربي؟ (44) فما أن وقع صوت سلامك في مسمعي حتى اهتز الجنين طربا في بطني. (45) فطوبى لك يا من آمنت بأن ما بلغها من عند الرب سيتم. (46) فقالت مريم: تعظم الرب نفسي. (47) وتبتهج روحي بالله مخلصي. (48) لأنه عطف على أمته الحقيرة، سوف تهنئني جميع الأجيال. (49) لأن القدير آتاني فضلا عظيما قدوس اسمه. (50) ورحمته للذين يتقونه من جيل إلى جيل. (51) كشف عن شدة ساعده فشتت ذوي القلوب المستكبرة. (52) أنزل الأعزاء عن العروش ورفع الأذلاء. (53) أشبع الجياع من الخيرات وصرف الأغنياء فارغين. (54) نصر عبده إسرائيل. (55) فتذكر ما وعد به آباءنا من رحمة لإبراهيم وذريته إلى الأبد. (56) ومكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم عادت إلى بيتها. (57) وأما أليصابات فلما حان موعد ولادتها وضعت ابنا. (58) فسمع جيرانها وأقاربها بأن الرب رحمها رحمة عظيمة ففرحوا معها. (59) وجاءوا في اليوم الثامن ليختنوا الطفل وسموه باسم أبيه زكريا. (60) فاعترضت أمه وقالت: لا بل يسمى يوحنا. (61) قالوا: ليس في قرابتك من تسمى بهذا الاسم. (62) وسألوا أباه بالإشارة ماذا يريد أن يسمي. (63) فطلب لوحا وكتب: اسمه يوحنا، فتعجبوا كلهم. (64) فانفتح فمه من ساعته وانطلق لسانه فتكلم وبارك الله. (65) فاستولى الخوف على جيرانهم أجمعين وتحدث الناس بجميع هذه الأشياء في جبال اليهودية كلها. (66) وكان كل من سمع بذلك يحفظه في قلبه قائلا: ما عسى أن يكون هذا الطفل؟ فإن يد الرب كانت معه. (67) وامتلأ أبوه زكريا من الروح القدس فأنبأ قال: (68) تبارك الله إله إسرائيل لأنه تفقد شعبه وافتداه. (69) فأقام لنا قرن خلاص في بيت عبده داود. (70) كما وعد بلسان أنبيائه الأطهار في العهد القديم. (71) إنقاذا لنا من أعدائنا وأيدي جميع مبغضينا. (72) ورحمة لآبائنا وذكرا لعهده المقدس. (73) والقسم الذي أقسمه لأبينا إبراهيم بأن ينعم علينا. (74) فننجو من أيدي أعدائنا. (75) ونعبد بالتقوى والبر غير خائفين طوال أيام حياتنا. (76) وأنت أيها الطفل ستدعى نبي العلي لأنك تتقدم الرب لتعد طرقه. (77) وتعلم شعبه أن الخلاص هو في غفران خطاياهم. (78) تلك رحمة من لطف إلهنا يتفقدنا لها الشارق من العلى. (79) ليضيء للقاعدين في الظلمة وظلال الموت ويسدد خطانا لسبيل السلام. (80) وكان الطفل ينمو وتزكو روحه وأقام في البراري إلى أن ظهر لإسرائيل.
الإصحاح الثاني (1) وفي ذلك الزمان، أمر القيص أغسطس بإحصاء جميع أهل المعمورة. (2) وجرى هذا الإحصاء الأول؛ إذ كان كيرينيوس حاكما في سورية. (3) فذهب جميع الناس ليكتتب كل واحد في مدينته. (4) وصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم، فقد كان من بيت داود وذريته. (5) ليكتتب ومريم خطيبته وكانت حاملا. (6) وبينما هما فيها حان وقت ولادتها. (7) فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضع في الفندق. (8) وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البرية يتناوبون السهر في الليل على رعيتهم. (9) ففاجأهم ملاك الرب وأشرق مجد الرب حولهم فخافوا خوفا شديدا. (10) فقال لهم الملاك: لا تخافوا إني أبشركم بفرح عظيم يعم الشعب بأجمعه. (11) ولد لكم اليوم مخلص في مدينة داود وهو المسيح الرب. (12) وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. (13) وانضم إلى الملاك بغتة جمهور من جند السماء يسبحون الله فيقولون: (14) المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. (15) فلما انصرف الملائكة عنهم إلى السماء قال الرعاة بعضهم لبعض: هلم بنا إلى بيت لحم فنرى هذا الحدث الذي أنبأنا به الرب. (16) وجاءوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضطجعا في المذود. (17) فجعلوا بعدما رأوا الطفل يخبرون بما قيل لهم فيه. (18) فصار كل من سمع الرعاة يعجب مما حدثوه به. (19) وكانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور وتتأملها في قلبها. (20) ورجع الرعاة وهم يمجدون الله، ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا كما أنبئوا. (21) ولما بلغ يومه الثامن وهو اليوم الذي يجب أن يختن فيه، سمي يسوع، كما سماه الملاك قبل أن يحبل به. (22) ولما حان يوم طهورهما بحسب شريعة موسى صعدا به إلى أورشليم ليقرباه إلى الرب. (23) كما تقضي شريعة الرب من أن كل بكر ذكر ينذر للرب. (24) وليقربا ما تفرضه شريعة الرب: زوجي يمام أو فرخي حمام. (25) وكان في أورشليم رجل بار تقي اسمه سمعان، ينتظر الفرج لإسرائيل، والروح القدس نازل عليه. (26) وكان الروح القدس قد أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب. (27) فأتى إلى الهيكل بوحي من الروح ولما دخل بالطفل أبواه ليؤديا عنه ما تفرضه الشريعة. (28) حمله على ذراعيه وبارك الله ثم قال: (29) رب أطلق الآن عبدك بسلام وفاقا لقولك. (30) فقد رأت عيناي ما أعددته من خلاص. (31) للشعوب كلها. (32) نورا لهداية الأمم ومجدا لشعبك إسرائيل. (33) وكان أبوه وأمه يعجبان مما يقال فيه. (34) وباركهما سمعان ثم قال لأمه مريم: إنه جعل لسقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم في إسرائيل وآية ينكرونها. (35) وأنت سينفذ سيف في نفسك لتنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة. (36) وكان هناك نبية هي حنة ابنة فانوئيل من سبط أشير، طاعنة في السن، عاشت مع زوجها سبع سنوات بعد بكارتها. (37) ثم بقيت أرملة فبلغت الرابعة والثمانين من عمرها لا تفارق الهيكل متعبدة بالصوم والصلاة ليل نهار. (38) فحضرت في تلك الساعة وأخذت تحمد الله وتحدث بأمر الطفل كل من كان ينتظر فداء أورشليم. (39) ولما أتما جميع ما تفرضه شريعة الرب، رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة. (40) وكان الطفل ينمو ويترعرع ويمتلئ حكمة وكانت نعمة الله عليه. (41) وكان أبواه يذهبان إلى أورشليم كل سنة في عيد الفصح. (42) فلما بلغ اثنتي عشرة سنة صعدوا إليها جريا على السنة في العيد. (43) فلما انقضت أيام العيد ورجعا بقي الصبي يسوع في أورشليم من غير أن يعلم أبواه. (44) وكانا يظنان أنه في القفلة فسارا مسيرة يوم ثم أخذا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف. (45) فلما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. (46) فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل جالسا في حلقة العلماء يستمع إليهم ويسألهم. (47) وكان جميع سامعيه في حيرة من ذكائه وجواباته. (48) فلما أبصراه دهشا فقالت له أمه: يا بني لم صنعت بنا ذلك؟ فأنا وأبوك نبحث عنك متلهفين. (49) فقال لهما: ولم بحثتما عني؟ ألم تعلما أنه يجب علي أن أكون عند أبي؟ (50) فلم يفهما الكلمة التي قالها. (51) ثم نزل معهما وعاد إلى الناصرة وكان طائعا لهما. (52) وكانت أمه تحفظ كل شيء في قلبها، وكان يسوع يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس. •••
هذه هي قصة الميلاد المطولة عند لوقا، والتي لم يفتتحها على طريقة متى بسلسلة نسب يسوع، الأمر الذي يدل على أنه لم يولها الأهمية التي أولاها متى، ولكن لوقا لم يتجاهل تماما نسب يسوع بل أورده لاحقا، وبعد أن جعل يسوع يعتمد على يد يوحنا المعمدان، عندما هبط عليه الروح القدس فهو يقول: (22) ونزل الروح القدس عليه في صورة جسم كأنه حمامة، وأتى صوت من السماء يقول: «أنت ابني الحبيب الذي عنه رضيت.» (23) وكان يسوع في بدء رسالته في نحو الثلاثين من عمره، وكان الناس يحسبونه ابن يوسف ابن عالي. (24) ابن متثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف (25) بن متاثيا بن عاموص بن ناحوم بن حسلي بن نجاي (26) بن مآث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا (27) بن يوحنا بن ريسا بن زربابل بن شألتئيل بن نيري (28) بن ملكي بن أدي بن قطم بن ألمودام بن عير (29) بن يوسي بن أليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي (30) بن شمعون بن يهوذا بن يوسف بن يونان بن أليقايم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود (32) بن يسي بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون (33) بن عميناداب بن آرام بن حصرون بن فارص بن يهوذا (34) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور (35) بن سروح بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح (36) بن قينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح بن لامك (37) بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهلئيل بن قينان (38) بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله.
على الرغم من أن سلسلة نسب يسوع عند لوقا تربط يسوع بداود كما هو الحال عند متى، إلا أنها تضيف عنصرا لاهوتيا مهما، فهي إذ تبدأ بالاتجاه المعاكس لاتجاه سلسلة متى، أي من يسوع ويوسف لا من إبراهيم وإسحاق، فإنها تتجاوز إبراهيم إلى بدء الخليقة إلى آدم ابن الله، وبذلك يتقاطع لوقا هنا مع تعاليم بولس بخصوص شمولية رسالة يسوع باعتباره آدم الثاني، فآدم الأول قد وهب الإنسانية الموت، أما آدم الثاني فقد وهبها الحياة.
صفحه نامشخص
ومع ذلك فإن الجملة الاستهلالية التي ابتدأ بها لوقا سلسلة النسب عندما قال: «وكان الناس يحسبونه ابن يوسف ابن عالي» تجعل السلسلة تتهاوى أيضا كبيت من ورق مثلما تهاوت سلسلة متى في خاتمتها عندما قال: «ويعقوب ولد يوسف زوج مريم والدة المسيح»، ولم يقل: «ويعقوب ولد يوسف، ويوسف ولد يسوع»، فيسوع ليس الابن الجسدي ليوسف، وسلسلة النسب هذه لا معنى لها في الواقع، يضاف إلى ذلك أن السلسلتين غير متفقتين في حلقاتهما، ويبدو التناقض بينهما جليا ابتداء من الجد المباشر ليسوع، الذي يورد اسمه لوقا على أنه عالي، بينما يورد اسمه متى على أنه يعقوب، ويبدو لنا الاختلال واضحا إذا وضعنا السلسلتين في مقابل بعضهما لغرض المقارنة، بعد أن نقلب سلسلة متى لجعلها متوازية مع سلسلة لوقا.
سلسلة متى
سلسلة لوقا
يوسف بن يعقوب
يوسف بن عالي
ومتان ولد يعقوب
بن مثتات بن لاوي
وعازر ولد متان
بن ملكي بن ينا
وأليهود ولد عازر
صفحه نامشخص
بن يوسف بن متاثيا
وأخيم ولد أليهود
بن عاموص بن ناحوم
وصادوق ولد أخيم
بن حسلي بن نجاي
وعازور ولد صادوق
بن مآث بن متاثيا
وألياقيم ولد عازور
بن شمعي بن يوسف
وأبيهود ولد ألياقيم
صفحه نامشخص
بن يهوذا بن يوحنا
وزربابل ولد أبيهود
بن ريسا بن زربابل
وشألتئيل ولد زربابل
بن شألتئيل بن نيري
ويكينا ولد شألتئيل
بن ملكي بن أدي
ويوشيا ولد يكينا
بن قصم بن المود
ومنسي ولد آمون
صفحه نامشخص
بن عير بن يوسي
وحزقيا ولد منسي
بن اليعازر بن يوريم
وآحاز ولد حزقيا
بن متثات بن لاوي
ويوتام ولد آحاز
بن شمعون بن يهوذا
وعوزيا ولد يوتام
بن يوسف بن يونان
ويورام ولد عوزيا
صفحه نامشخص
بن ألياقيم بن مليا
ويوشافاط ولد يورام
بن مينان بن متاثا
وآسا ولد يوشافاط
بن ناثان بن داود
وآبيا ولد آسا
بن يسي بن عوبيد
ورحبعام ولد آبيا
بن بوعز بن سلمون
وسليمان ولد رحبعام
صفحه نامشخص
بن نحشون بن عميناداب
وداود ولد سليمان
بن آرام بن حصرون
ويسي ولد داود
بن فارص بن يهوذا
وعوبيد ولد يسي
بن يعقوب بن إسحاق
وبوعز ولد عوبيد
بن إبراهيم بن تارح
وسلمون ولد بوعز
صفحه نامشخص