چهره دیگر مسیح
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
ژانرها
إن مفهوم اغتراب الله عن العالم هو مفهوم كلي لدى مرقيون، فبينما تعقد الأنظمة الغنوصية الأخرى صلة قربى من نوع ما بين الديميرج صانع العالم وبين الإله المتعالي، فإن نظام مرقيون يصر على عدم وجود أي رابطة بين الإلهين، وعلى عكس الأنظمة الأخرى أيضا، فإن الإنسان لدى مرقيون، روحا وجسدا، هو من صنع الديميرج وهو لا يملك قبسا مسروقا من نور الأعالي، وبالتالي فإن خلاصه لن يؤدي إلى تحرير إله التوراة نفسه، على ما يقول بعض المفكرين الغنوصيين، لقد ظهر المسيح فجأة بين الناس وهو يعلم ويبشر بملكوت الروح، فظنه بعض اليهود المسيح القومي المنتظر، كما أن تلاميذ يسوع أنفسهم لم يفقهوا المغزى الحقيقي لرسالته، ونظرا لجهل يهوه بقيمة المخلص، فقد دفع به إلى الصلب.
وعلى الرغم من معارضة مرقيون لإله العهد القديم، وتوكيده على تحرير الإنسان من حكمه، إلا أنه يعتقد بأن عليه متابعة مهمته في تسيير شئون هذا العالم؛ لأن العالم من حيث الأصل لا قيمة له، والجسد الإنساني لا يساوي شروى نقير، وكذلك الحياة الإنسانية؛ لذلك فقد عارض مرقيون الزواج لأنه يؤدي إلى إنجاب رعايا جدد يقعون تحت سلطة إله هذا العالم، على أن ما يجعل مرقيون في نقطة الوسط بين المسيحية الغنوصية والمسيحية القويمة، هو توكيده على عنصر الإيمان المسيحي في مقابل العرفان الغنوصي، فالخلاص عنده يتحقق من خلال الإيمان وعن طريق يسوع المسيح بالذات، لا من خلال العرفان، وهو لم يقدم للمؤمنين وعدا باستنارة الروح، بل بمباركتها عن طريق شفاعة ابن الله المتعالي .
بعد صراع طويل بينه وبين الكنيسة، أصدرت كنيسة روما قرارا بحرمانه، وإبعاده عن الكنيسة عام 144م، وهو العام الذي أعلن مرقيون فيه تأسيس كنيسته الخاصة، التي انتشرت حلقاتها على نطاق واسع في بلاد الشام ومصر ووادي الرافدين وآسيا الصغرى وأرمينيا، وشكلت أكبر خطر على الكنيسة القويمة، بحيث دفعتها في نهاية القرن الثاني الميلادي إلى وضع أول مجموعة قانونية للعهد الجديد، وإلى صياغة قانون الإيمان المسيحي.
41
فالنتينوس
اتخذت الغنوصية شكلها الناضج على يد معلمها الكبير فالنتينوس، الذي ولد بمنطقة الدلتا المصرية من أسرة ذات أصول يونانية عام 100م. تلقى علومه بالإسكندرية، مدينة العلم والثقافة في ذلك العصر، وبؤرة إشعاع الفكر الأفلاطوني والهرمسي. اتصل بالمسيحيين واعتبر نفسه مسيحيا، ولكنه شكل لنفسه مجموعة من الأخويات الغنوصية داخل كنيسة الإسكندرية، وأسس أكاديمية للبحث الحر. اعتبر نفسه المفسر الحقيقي لتعاليم المسيح، بعد أن نقل إليه معلمه ثيوداس تعاليم بولس السرية، وأدخله إلى حلقة العارفين بمعتقد الأب السماوي الأعلى، وقد بلغ من ثقته بنفسه أنه رشح نفسه لمنصب أسقف روما في أواسط القرن الثاني الميلادي، على الرغم من أن تعاليمه تشكل انشقاقا تاما عن لاهوت العهد القديم، وتقدم تفسيرا متطرفا لحياة يسوع ورسائل بولس.
يرى فالنتينوس أن بؤس الإنسان ناجم عن سجن روحه في المادة المظلمة من قبل يهوه إله العهد القديم، وأن هذا الإله الذي يعبده البسطاء ليس إلا ظلا للإله الحقيقي، وأن تعاليم الكنيسة القويمة التي يبشر بها رجال الهرمية الكنسية التقليدية لا تنطبق على الله العلي الخفي، بل على الديميرج الذي يحكم العالم كملك وسيد ويتصرف كقائد عسكري، والذي فرض الشريعة ويعاقب على انتهاكها، ولكن أولئك البسطاء الذين عبدوا إله هذا العالم، سوف يتعلمون كيف يرفضون سلطته ويعتبرون كل ما ورد في الشريعة بمثابة حماقة، وذلك بعد تلقيهم الأسرار ودخولهم حلقة العارفين، وهذا ما يقودهم بالتالي إلى نبذ سلطة الهرمية الكنسية التي تستمد سلطتها من الديميرج لا من الأب الأعلى، إن العرفان يؤدي إلى الخلاص والتحرر من عالم المادة، بعد أن يتعرف الغنوصي على الله الحق وعلى طبيعته الروحانية التي هي جزء من طبيعة الله، وعلى الرغم من أن هذا العرفان ذو طابع فردي في أساسه، ويؤدي إلى خلاص فردي في النهاية، فإن كل فعالية عرفانية فردية سوف تؤثر على صيرورة الكون برمته، وتساعد في النهاية على تخليص العالم، كما تساعد على إصلاح إله هذا العالم نفسه؛ لأنه جاهل ومحروم من العرفان اللازم لخلاصه، ولكن الإنسان قادر على معونته وتحريره من خلال عرفانه الداخلي.
لم ينشق الفالنتينيون عن الكنيسة، بل اعتبروا أنفسهم على الدوام جزءا منها. إن ما تعلمه الكنيسة بالنسبة إليهم، هو مرحلة أولية وابتدائية من المعتقد المسيحي، أما هم فيعلمون الحقائق العليا لمن مر بالمرحلة الأولية، ولكنهم رفضوا المراتبية الكنسية، وكانوا يعقدون اجتماعاتهم في جو من الإخاء والمساواة، ففي كل اجتماع كانوا ينتخبون بالقرعة من يدير الاجتماع، ومن يلعب دور الأسقف، أو دور القسيس أو دور الشماس، دون أن يكون لهذه المناصب ديمومة أو أشخاص ثابتون يشغلونها، وهذا ما خلق لديهم هيكلية مختلفة لا تمييز فيها بين رجال الدين والرعية، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة القويمة تتجه نحو مزيد من تركيز السلطة، والتمييز بين رجال الدين الذين اعتبروا المفسرين الوحيدين للنصوص المقدسة وبين الرعية التي تتلقى الأوامر والتوجيهات دون مساءلة.
42
باسيليد
صفحه نامشخص