وقد انتشرت أحاديث كثيرة تشرع للقطاع العام مثل «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار». الماء والكلأ رمز للزراعة والنار رمز للصناعة. و«الإقطاع» في النظم الاقتصادية القديمة مزارع للدولة يرعى فيها الجميع. كما وضع ابن حزم مبدأ «الأرض لمن يفلحها» أي عدم جواز الملاك الغائبين وامتلاك الأرض لغير الفلاحين. كما وضع القدماء مبدأ «من استصلح أرضا فهي له». ووضع الفقه القديم نظم المؤاجرة والمزارعة، واحد بأرض والثاني بعمله مناصفة ومشاركة في الانتفاع. وحرم القرآن الربا واستغلال حاجات الفقراء من الأغنياء. وجعل العمل وحده مصدر القيمة، وليس الإرث أو النسب. وحدد الأسعار، ووضع هامشا معينا للربح. ومنع الغش وبيع ما في الغيب مثل التمر على النخل قبل أن يطرح، والوليد في بطن الحيوان قبل أن يولد، والزرع في الأرض قبل حصاده. ووظيفة المحتسب الرقابة على الأسواق والموازين ومنع الغش في البضائع.
ليست الزكاة وحدها هي حق الفقراء في أموال الأغنياء بل في مال الأغنياء حق للفقراء غير الزكاة
والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم . ولا يجوز ترك المال العام في أيدى قلة أو طبقة لمنع الاستغلال
كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم . واستعمالات لفظ «المال» في القرآن تشير إلى أنه أموال الغائبين «أموالهم» وليس أموال الحاضرين ولا يوجد لفظ «أموالي» بل لفظ «مالي» وبمعنى سلبي
ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه . أي سلطة الاقتصاد والسياسة.
وكثرت أحاديث الاشتراك في الأموال والثروات في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفي الممارسات الاجتماعية. فالقرآن يدين من له تسع وتسعون نعجة ويريد أن يأخذ نعجة أخيه لتتراكم ثروته وإعدام ثروة الآخرين. ويصور القرآن سبب انهيار المجتمعات
وبئر معطلة وقصر مشيد
أي تعطيل مصالح الناس الحيوية مثل الماء والآبار وتشييد قصر لإقطاعي على حافته. ويصف «رب البيت» بأنه هو الذي يطعم عن جوع ويؤمن من خوف
فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . فالله على علاقة بالخبز والحرية، ولا يسمح الإسلام بوجود فوارق اجتماعية شديدة بين من يملكون ومن لا يملكون. «ليس منا من بات شبعان وجاره طاو». وما زاد عن حاجة الإنسان وقوت يومه فهو حق للآخرين. وفي الأثر: «عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهرا سيفه». وقد نقل عن عمر: «لو كان الفقر رجلا لقتلته». ونفى عثمان أبا ذر الغفاري إلى ربضة الشام عندما رأى التفاوت الشديد بين الفقراء والأغنياء، وبناء القصور، وتراكم رأس المال بأيدي قلة، وظهور الطبقات الاجتماعية. وقد جعله بعض المفكرين المعاصرين مثل علي شريعتي أول اشتراكي في الإسلام. وفي الإسلام نقد شديد للإسراف والمسرفين والتبذير والمبذرين وكل مظاهر الاستهلاك الحديثة داعيا إلى التقشف وعدم ملء البطون «حسب المرء لقيمات يقمن صلبه.» ثلث المعدة للطعام والثلث للماء والثلث للنفس. إن أي سياسة للتنمية تتضمن الحد من الاستهلاك وشد الحزام على البطون والادخار الوطني من أجل الاستثمار.
إن أوضاع المسلمين اليوم تحتم هذا الخيار الاشتراكي للإسلام نظرا للتفاوت الشديد في الدخول بين الأغنياء والفقراء. فأغنى الأغنياء منا، أحد السلاطين. وأفقر فقراء العالم منا، الآلاف الذين يموتون بطنة وإشباعا والملايين الذين يموتون قحطا وجوعا وعريا وهلاكا في مالي وتشاد والصومال وإريتريا والسودان وبنجلاديش والهند. والإسلام قادر على تلبية حاجات المسلمين في كل عصر. ما ينقصه هو اجتهاد العلماء. واليسار الإسلامي أحد الاجتهادات لحل القضية الاجتماعية من أجل إعادة توزيع الدخول بين المسلمين دون تركيز الثروة في منطقة، والفقر في منطقة أخرى، والجفاف في منطقة، والمياه في منطقة أخرى، والثروات الطبيعية في منطقة والعمال في منطقة أخرى. وقد استطاعت بلدان إسلامية مثل ماليزيا وتركيا واليمن وإيران والهند الوعي بذلك. والعقل والخبرة والعلم متوفرة في الوطن العربي والعالم الإسلامي. تساهم في بناء الغرب، وتشارك في تحقيق مشاريعه التنموية. وأهل مكة أدرى بشعابها دونما حاجة إلى عقل إسرائيل.
صفحه نامشخص