إن الله لا يصلح عمل المفسدين
ودون احتجاج بالقضاء والقدر. والإصلاح ضد الإفساد
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها . ومعيار التمييز بين الناس هو الإصلاح والإفساد،
والله يعلم المفسد من المصلح . والإصلاح والإفساد في الأرض وبين الناس
الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون . والعمل هو العمل الصالح. والإيمان مقرون به.
لذلك أعجب المسلمون بحركة الإصلاح الديني الحديثة عند الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين والكواكبي وعبد الحميد بن باديس. بل إن كل التيارات الفكرية والسياسية، الليبرالية والعلمية بل والعلمانية تيارات إصلاحية بالمعنى الواسع أي تغيير الوضع القائم لما هو أفضل، وهو المعنى الأصلي لليسار، تغيير الوضع الراهن لما هو أفضل وليس تثبيته كما يريد اليمين المستفيد منه. وقد نشأ التباين في مناهج الإصلاح بين الإصلاح الثوري السياسي بل والانقلابي عند الأفغاني، والإصلاح التربوي الأخلاقي التدريجي عند محمد عبده بعد فشل الثورة العرابية. وسعد زغلول قائد ثورة 1919م في مصر تلميذ الأفغاني. ويتوق الجيل الحالي من المصلحين للانتقال من الإصلاح الديني إلى النهضة الشاملة. فلا نهضة بدون إصلاح.
ليس الإصلاح والنهضة وقفا على الغرب. فقد عرف الغرب بهما، بالإصلاح الديني عند لوثر في القرن الخامس عشر، وبالنهضة عند جيوردانو برونو في القرن السادس عشر. وأعجب المصلحون الإسلاميون بمارتن لوثر. فقد سمي الأفغاني «لوثر الشرق». وقد درس لوثر الإسلام لمعرفة كيف وصل إلى الإصلاح. وجعل اسبينوزا الإسلام نموذجا لإصلاح المعبد اليهودي. تلك بضاعتنا ردت إلينا. المهم الآن كيفية تطوير الإصلاح وتحويله من الخطابة إلى العلم، ومن الوعظ إلى التحليل، ومن الوجدان إلى العقل، ومن الدفاع إلى النقد حتى لا يكبو من جديد أو تتعثر نهضته إلى سقوط أو تنقلب ثورة إلى ثورة مضادة حتى تتعلم الأمة من دروس التاريخ. (10) الإسلام الاشتراكي
من أسماء «اليسار الإسلامي» «الإسلام الاشتراكي». وربما هو أول اسم يتبادر إلى الأذهان نظرا للتوحيد التاريخي بين اليسار والاشتراكية. وقد ازدهرت أدبيات «الإسلام والاشتراكية» في الستينيات حتى اعتقد الناس تحت تأثير الإعلام والدولة الاشتراكية أن الإسلام هو الاشتراكية وأن الاشتراكية هي الإسلام. فمنذ الأربعينيات كتب مصطفى السباعي «الاشتراكية في الإسلام». واستأنف ذلك سيد قطب في «العدالة الاجتماعية في الإسلام» عام 1950م. ثم ازدهرت هذه الكتابات بعد الثورة المصرية منذ صياغة الاشتراكية التعاونية في 1955م ثم الاشتراكية العربية في الميثاق عام 1963م ثم التطبيق العربي للاشتراكية بعد هزيمة يونيو 1967م في ورقة 30 مارس عام 1968م أسوة بالاشتراكية الأفريقية، واشتراكيات العالم الثالث، وضد اتهام الثورات العربية في منتصف القرن الماضي بأنها مادية ملحدة، شيوعية دموية من النظم الملكية والإقطاعية الرأسمالية. فالاختيار السياسي، اشتراكي أو رأسمالي هو الذي يحدد القراءة والانتقاء من النص ما يدعمها. والنص قابل للانتقاء الجزئي والتأويل طبقا للاختيار السياسي.
ودون أي قراءة اشتراكية معاصرة للإسلام في مواجهة الموجة الحالية منذ ثلاثة عقود من الزمان أو يزيد للخصخصة وبيع القطاع العام والبنوك والشركات الوطنية والدخول في النظام الرأسمالي العالمي دون قيم ليبرالية، يمكن القول بلا أدنى تردد إن الإسلام اختيار اشتراكي في مبادئه الاقتصادية العامة. الإسلام رؤية جماعية تقدم الجماعة على الفرد، والأمة على المواطن. ويتضح ذلك في الملكية العامة لوسائل الإنتاج ملكية جماعية أو ملكية دولة لكل ما تعم به البلوى، الماء والطاقة والمواصلات والمعادن، ولكل ما هو ثابت غير منقول. وبتعبير القدماء هو «الركاز» أي كل ما في باطن الأرض. عرف القدماء الذهب والحديد والنحاس والفضة والمنجنيز والفوسفات وعرفنا نحن النفط. وقد عرفت الملكية العامة بلفظ «الاستخلاف»
وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه . للإنسان حق الاستثمار والانتفاع والصرف فيما لديه وليس له حق الاحتكار والاستغلال والاكتناز. فالمحتكر ملعون. ولفظ المال في القرآن لا يشير إلى شيء أي إلى كنز وثروة بل هو لفظ مركب من اسم الصلة «ما» وحرف الجر «ل» أي إنه إضافة. فالملكية وظيفة اجتماعية واقتصادية وليست استحواذا على شيء، من فعل الذات وليست من فعل الموضوع.
صفحه نامشخص