وقد ثار الجدل في مصر حول مهمة المجمع اللغوي، فجماعة يقولون بدرس اللهجات، وآخرون بإحياء المؤلفات القديمة، ولكنهم جميعا متفقون على ضرورة الجمع بين الفائدتين.
والقصة، ما شأنها؟ ناس يقولون بوجوب الاهتمام بالقصة، وفريق يقول إنها فن مفتعل في اللغة العربية، ولكن أولئك وهؤلاء يجمعون بين المذهبين في التأليف.
وخلاصة القول أن النزاع بين الأدباء المصريين لا يصدر عن مذاهب أدبية، وإنما هي طلائع لمذاهب أدبية ستستفحل بعد حين. •••
ولكن متى بدت تباشير تلك الطلائع؟
كان المصريون قبل مائة سنة لا يعرفون من موارد الثقافة غير الأزهر الشريف، فكان الأدباء يتشابهون في الأغراض والأساليب.
ثم أنشئت وزارة المعارف فدخلت على الأذهان والعقول أطياف جديدة من الثقافة الغربية، وشرع الأدباء ينقسمون إلى طائفتين: طائفة أزهرية، وطائفة عصرية، وأخذت هاتان الطائفتان تقتتلان في مختلف الميادين.
وأقرب الشواهب لذلك ما كان يثور من الخصومات الأدبية بين كتاب «الجريدة» من جانب، وكتاب «المؤيد واللواء» من جانب، وكان ذلك منذ ثلاثين عاما، حين كان أحمد لطفي السيد يقارع عبد العزيز جاويش وعلي يوسف، وأساس الثقافة عند الأول مدني، وعند الآخرين أزهري، فكان يظهر التفاوت في الأغراض وفي الأساليب، بحيث كان يظهر أن الجو الأدبي لم يعد يتنفس في هواء واحد، وكاد الناس يدركون أن عقلية من يحمل العمامة تخالف عقلية من يحمل الطربوش؟
والاختلاف في الأغراض ظهر بقوة جارفة يوم ثار الجدل في مصر حول السفور والحجاب، فقد كان دعاة السفور من أنصار الثقافة الحديثة، وكان المتمسكون بالحجاب من شيوخ الأدب القديم.
وكان إنشاء الجامعة المصرية في سنة 1908 بداية الفصل بين القديم والحديث، فقد كان أكثر الأدباء لذلك العهد لا يعرفون اللغات الأجنبية، فلما أنشئت الجامعة كان في نظامها أن لا يظفر بألقابها إلا من يؤدون امتحانا في آداب اللغة الفرنسية أو اللغة الانجليزية، ومعنى ذلك أن الأديب لا يظفر بإجازة جامعية في الأدب إلا إن تمكن من الاتصال بالآداب اللاتينية أو السكسونية، ونحن نعرف أن ذلك لا يمر بسلام، وإنما يدخل في عقل الأديب وذهنه وقلبه ألوانا من الثورة على الأدب الموروث، ونتائج ذلك محسوسة، فالأدباء المتخرجون في الأزهر ودار العلوم غير المتخرجين في الجامعة المصرية، ويكفي أن تنظروا في كتابين ألفا في موضوع واحد هو الأدب الجاهلي، أولهما للأستاذ محمد هاشم عطية، وثانيهما للدكتور طه حسين، وهما كتابان جيدان، ولكن المؤلفين يختلفان في فهم الأدب الجاهلي أشد الاختلاف. •••
وقصة الأدب المكشوف ليس لها في مصر وجود ملموس، ولكن يظهر أثرها في مطبوعات دار الكتب المصرية، فإن القسم الأدبي هناك يطبع من كل كتاب نسختين: نسخة كاملة، أو نسخة مدنسة، تنشر بما اشتملت عليه من العورات والمجون، ولاتباع لغير الخواص، ونسخة مطهرة أو مهذبة تحذف منها أسماء العورات والمجون، وتباع لسائر الناس.
صفحه نامشخص