وقد وقف الدكتور طه حسين في صف الدكتور هيكل ووقفت أنا في صف الأستاذ مطران، فهل كنا جميعا جادين في هذا الجدال؟
هيهات، فقد كان الدكتور طه والدكتور هيكل أديبين قبل أن يعرفا شيئا من اللغات الأجنبية، وكنت أنا والأستاذ مطران من أحرص الناس على التزود من الآداب الأجنبية.
فما معنى هذه المناظرة؟ ما معناها وليس في المتناظرين من يكتفي بالآداب العربية أو يزهد في الآداب الأجنبية.
إن لهذه المناظرة معنى واحدا هو: حض الشبان على تقليب وجوه الرأي في المسائل الأدبية. •••
وكذلك يقال في الجدل العنيف الذي ثار في مصر بين القديم والحديث، فقد كان الأستاذ مصطفى الرافعي يحمل راية القديم وكان الدكتور طه حسين يحمل راية الحديث.
فهل معنى ذلك أن أدب الأستاذ الرافعي كان صورة لأدب الجاحظ أو ابن العميد، أو أن الدكتور طه كان يتجاهل الأدب القديم؟
لا هذا ولا ذاك، وإنما هي صور من الجدل يكثر صدورها في الصحف المصرية.
ومن هذا الباب كان الجدل بين الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد حول الأدب اللاتيني والأدب السكسوني، فليس الدكتور طه ممن يتجاهلون خصائص الآداب السكسونية، ولا الأستاذ العقاد ممن يتجاهلون خصائص الآداب اللاتينية، وإنما هو جدل يكثر صدوره عن أقلام الأدباء المصريين.
وكذلك الحال في الجدل الذي يثور في مصر أحيانا بين أنصار الترجمة وأنصار التأليف، فليس في الداعين إلى التأليف من يجهل فضل الترجمة، وليس في الداعين إلى الترجمة من يجهل فضل التأليف، وإنما هي ضروب من الجدل المثمر يحسنها المصريون.
ومثل هذا يقال في الجدل الذي ثار حول الأدب المكشوف، فليس في مصر اختلاف حول استقباح ذكر العورات والمخازي، وإنما هو خلاف في طريقة نشر المؤلفات القديمة، ففي مصر أدباء يشيرون بنشرها مهذبة، وأدباء يشيرون بنشرها كاملة مراعاة للأمانة في فهم التاريخ.
صفحه نامشخص