وفي اليوم العاشر خرجت للنزهة وترويح النفس في الصباح، ولما عدت إلى الدار استلمت من زوجي راعول خطابا ينبئني فيه بأن أشغالا مهمة تضطره إلى التأخير عن الحضور بضعة أسابيع فيجب أن أكون مطمئنة من جهته ولا أضجر من تأخيره.
وبعد أن تناولت الغداء دخلت إلى غرفتي وجلست أطالع كعادتي كتابا مفيدا، وكنت أشعر في ذلك اليوم بانقباض وانزعاج في نفسي لا أعلم له سببا، وكلما حاولت إزالته زاد تمكنا ورسوخا، وكان ذلك الوقت هو ميعاد حضور إميل، فكنت أتمنى أن لا يأتي في هذه الساعة؛ لأن قلبي يحدثني بوقوع مصيبة عظيمة تلك الليلة.
وكان الليل وقتئذ مظلما والغيوم كثيفة وأصوات الرعود تملأ الفضاء، فيسمع لها مع هدوء الليل صوت هائل يزيدني حزنا وانقباضا ويملأ قلبي خوفا وانزعاجا، وبينما أنا أتقلب على جمر الغضا ومضض الانقباض سمعت صوتا يدنو من نافذة غرفتي، وإذا به إميل وضع السلم وتسلق على جدران الحديقة كما هي عادته في كل مساء.
فلما نظرته هاجت في نفسي عوامل الخوف والاضطراب فدنوت منه وقلت له: بالله عليك يا إميل لا تدنو مني الآن وارجع من حيث أتيت، فإني أشعر الليلة بانزعاج شديد وأخشى أن يداهمنا خطب عظيم، أجل؛ لا تبق معي في هذا المساء؛ فإن الخوف يكاد يقتلني، وإن شئت فأت غدا أو في وقت آخر، وأما في هذا المساء فإياك والدخول إلى غرفتي.
قال: وما سبب هذا الخوف والانزعاج، ومن ذا الذي يهددك يا مادلين؟
قلت: ليس يوجد من يهددني، ولكني أرى الخوف مستوليا علي ولا أعلم لذلك سببا.
قال: دعي عنك يا حبيبتي هذا الوهم الفاسد وتعالي نذق لذة الحب ونتمتع بأحسن ساعات العمر، ثم أمسك بيدي وأجلسني بجانبه وطفق يرمقني بعين ملئيها الحب والحنان، وأنا غارقة في بحار المخاوف والأوهام.
قلت: وماذا تريد الآن يا إميل؟
قال: لماذا هذا الإلحاح والخوف، وقد مضى علي أكثر من أسبوع من الزمان وأنا أحظى برؤيتك وأقضي الساعات الطويلة في اجتلاء أنوار محياك، فلا أرى منك إلا الرضا والانعطاف؛ فهل أنبأك راعول اليوم أنه قادم من سفره.
قلت: كلا، وإنما قال لي: إنه سيتأخر عن الحضور بضعة أيام أيضا. - ولكنه سيحضر على كل حال؛ فأواه لماذا لا يرضى الله لي بالسعادة والهناء، ولماذا تأبين يا مادلين مطاوعتي على الخلاص من هذه الورطة واغتنام أويقات الهناء والسرور، فتعالي يا حبيبتي نهجر هذه البلاد ونعيش حيث لا يرانا أحد ولا يعرف مقرنا إنسان، وهناك نكون أحرارا نفعل ما نشاء، وعين الله ترعانا أينما حللنا وحيثما توجهنا.
صفحه نامشخص